للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الزرقاني في شرح موطأ الإمام مالك جـ٢ صـ٢٥١ ما نصه: وهو أي بيع العربون باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل فإن وقع فسخ وإن فات مضى لأنه مختلف فيه، فقد أجازه أحمد وروي عن ابن عمر وجماعة من التابعين: ويرد العربان على كل حال. قال ابن عبد البر: ولا يصح ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من إجازته فإن صح احتمل أنه يحتسب على البائع من الثمن إن تم البيع وهذا جائز عند الجميع. اهـ (١) .

وذهب الإمام أحمد وجمهور أصحابه إلى القول بصحة بيع العربون ويُمثَّلُ النص الآتي من المغني لابن قدامة مذهب الإمام أحمد في بيع العربون، ووجه القول بصحته وذكر مستنده على ذلك كما أنه يذكر القائلين ببطلانه ووجهة قولهم بذلك، ثم يناقش قولهم وحججهم فيقول: والعربون في البيع هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره على أنه إذا أخذ السلعة احتسب من الثمن وإن لم يأخذها فذلك للبائع ... قال أحمد: لا بأس به، فعله عمر رضي الله عنه.

وعن ابن عمر أنه أجازه وقال ابن سيرين: لا بأس به. وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئًا. وقال أحمد هذا في معناه. واختار أبو الخطاب أنه لا يصح وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى ذلك عن ابن عباس والحسن ((لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون)) رواه ابن ماجه، ولأنه شرط للبائع شيئًا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح، كما لو قال ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهمًا وهذا هو القياس وإنما صار أحمد فيه إلى ما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا، قال الأثرم: قلت لأحمد: تذهب إليه، قال: أي شيء أقول، هذا عمر رضي الله عنه؟ وضعّف الحديث المروي، روى هذه القصة الأثرم بإسناده، فأمَّا إن دفع إليه قبل البيع درهمًا وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدأ وحسب الدرهم من الثمن صح، لأن البيع خلا عن الشرط المفسد، ويحتمل أن الشراء الذي اشتراه لعمر كان على هذا الوجه فيحمل عليه جمعًا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس والأئمة القائلين بفساد العربون. وإن لم يشتر السلعة في هذه الصورة لم يستحق البائع الدرهم، لأنه يأخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه، ولا يصح جعله عوضًا عن انتظاره وتأخير بيعه من أجله، لأنه لو كان عوضًا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء، ولأن الانتظار بالمبيع لا تجوز المعارضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار كما في الإجارة. اهـ (٢) .


(١) موطأ الإمام مالك: ٢ /٢٥١.
(٢) المغني: ٦ /٣٣١-٣٣٢، طبعة حجر، تحقيق الدكتور عبد الله التركي.

<<  <  ج: ص:  >  >>