بيع العربون المعروف في الفقه الإسلامي هو أن يشتري الرجل السلعة، ويدفع للبائع مبلغًا من المال، على أنه إن أخذ السلعة يكون ذلك المبلغ محسوبًا من الثمن، وإن تركها، فالمبلغ للبائع. وتكييف بيع العربون على هذا هو أنه بيع يثبت فيه الخيار للمشتري، فإذا أمضى البيع، كان العربون جزءًا من الثمن، وإذا رد البيع فقد العربون، فهو خيار شرط، يقابله مال في حالة الرد، وهذا الخيار للمشتري وحده، أما البائع، فإن البيع لازم بالنسبة له، لا يستطيع رده، وهذا الخيار غير محدد بمدة. وقد ورد في بيع العربون حديثان: أحدهما ينهى عنه، والآخر يحله، وفي كل من الحديثين مقال: غير أن الحديث الذي ينهى عنه أكثر رجال الحديث يصححونه، والحديث الذي يحله أكثرهم يردونه.
وقد اختلف الفقهاء في حكم بيع العربون، فمنعه الجمهور، منهم الحنفية والمالكية والشافعية، وأبو الخطاب من الحنابلة، وأجازه الإمام أحمد، واستدل الجمهور على المنع بحديث عمرو بن شعيب الذي ينهى عن بيع العربان، وبأن في بيع العربون غررًا، واستدل الإمام أحمد بما روي عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية، فإن رضي عمر، وإلا فله كذا وكذا، وبالقياس على ما قاله سعيد بن المسيب وابن سيرين من أنه لا بأس إذا كره المشتري السلعة أن يردها، ويرد معها شيئًا.
وقد ذكر الفقهاء صورًا تشتبه ببيع العربون، وليست منه، ومنها: أن يدفع المشتري للبائع مبلغًا من المال، على أنه إن أمضى البيع احتسبه من الثمن، وإن لم يمضه أخذ ما دفعه؛ البيع بهذه الصورة صحيح باتفاق. ومنها: أن يدفع طالب الشراء لصاحب السلعة مبلغًا من المال، ويقول له: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك فما دفعته هو لك، ثم يشتريها منه بعد ذلك بعقد مبتدئ، ويحسب المبلغ الذي دفعه من الثمن. هذا البيع صحيح أيضًا، إذا تم البيع، وإذا لم يتم لا يستحق صاحب السلعة شيئًا. ومنها أن يشتري شخص سلعة ثم يتفق مع البائع على أن يردها ومعها شيء من المال.
هذه الصورة صحيحة، وهي التي قاس عليها أحمد صورة بيع العربون الممنوع عند الجمهور، والقياس غير مقبول عند المانعين لبيع العربون، لأن هذه الصورة هي شراء مستأنف، ولا مانع من أن يشتري شخص سلعة بمئة نقدًا، ثم يبيعها لمن اشتراها منه بتسعين نقدًا، ومنها أن يشتري الرجل سلعة إلى أجل، ثم يتقايل المتعاقدان على أن يدفع البائع للمشتري شيئًا من المال.
وهذه المعاملة لا خلاف في جوازها، لأنها بيع مستأنف، ولا مانع من أن يبيع الإنسان الشيء بثمن إلى أجل ثم يشتريه بأكثر منه.
هذا وقد جوزت قوانين البلاد العربية – ما عدا القانون السوداني – دفع العربون بالصورة الممنوعة عند الجمهور، وذهب بعضها إلى أبعد من هذه الصورة، فجعل دفع العربون في العقد من غير اتفاق بين المتعاقدين دليلاً على أن لكل من المتعاقدين العدول عن العقد، فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل عن قبضه رد ضعفه.