إذا كان هذا الذي بدا لي هو المقصود فإن حكم العربون يختلف باختلاف المرحلة التي يدفع فيها، في بيع المرابحة للآمر بالشراء، لأن هذا البيع يتم على مرحلتين: الأولى مرحلة المواعدة، والثانية مرحلة إبرام عقد البيع. فإذا كان دفع العربون في المرحلة الثانية، أي مشروطًا في عقد البيع، فإن حكمه هو ما بيناه في مشروعية العربون، المنع عند الأئمة الثلاثة، والجواز عند الإمام أحمد.
وإذا كان دفع العربون في المرحلة الأولى، مرحلة المواعدة، فإن أخذنا برأي القائلين بالإلزام في المواعدة، فإن الحكم لا يختلف عنه في مرحلة البيع، لأن المواعدة الملزمة عقد في الواقع.
وإن أخذنا برأي القائلين بعدم إلزام المواعدة – وهو ما قرره مجمع الفقه – فإن العربون بمعناه الفقهي الذي بيناه لا يمكن تصوره فيها، لأن العربون لا يكون إلا في عقد لازم، كالبيع والإجارة، والمواعدة غير اللازمة ليست بيعًا، ولا عقدًا، وإنما هي وعد من الآمر بالشراء غير ملزم له، فهو بالخيار إن شاء اشترى، وإن شاء ترك من غير أن يدفع عربونًا، فإذا شرط البائع على الآمر بالشراء أن يدفع له عربونًا، ويفقد هذا العربون إذا ترك الشراء فإن هذا يكون تناقضًا مع كون الوعد غير ملزم.
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.