للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا في تكييف بيع العربون أنه يتضمن خيار شرط للمشتري بمقابل في حالة رد المبيع، وبيع النقد بجنسه، والصرف لا يجوز فيهما خيار الشرط، ولو كان بغير مقابل عند الأئمة الأربعة، يقول الكمال بن الهمام في الكلام عن الصرف: "وشرطه التقابض للبدلين قبل الافتراق، وإن اختلف الجنس ولهذا لم يصح فيه أجل، ولا خيار شرط، لأن خيار الشرط يمنع ثبوت الملك أو تمامه على الرأيين منهم، وذلك يخل بالقبض المشروط، وهو القبض الذي يحصل به التعيين (١) . وجاء في المدونة: قلت لابن القاسم هل يجوز مالك الخيار في الصرف؟ قال: لا (٢) . وقال الشيرازي: "ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التي لا ربا فيها، فأما البيوع التي فيها الربا، وهي الصرف وبيع الطعام بالطعام، فلا يجوز فيها شرط الخيار، لأنه لا يجوز أن يتفرقا قبل إتمام البيع، ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين، فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم البيع بينهما (٣) وقال في المقنع: لا يثبت – خيار الشرط – إلا في البيع ... قال في الحاشية: ويستثنى منه ما يشترط فيه القبض لصحته كالصرف والسلم (٤) .

وإذا كان الصرف لا يجوز فيه خيار الشرط، فإنه لا يجوز فيه العربون من باب أولى، لا على رأي من يمنع بيع العربون، ولا على رأي من يجوزه أما على رأي من يمنعه فالأمر ظاهر، لأن الصرف بيع، والبيع لا يجوز فيه العربون، ولو لم يكن مما يشترط فيه التقابض، وأما على رأي من يجوز بيع العربون، فلأن بيع العربون فيه خيار شرط، وخيار الشرط لا يجوز في العقد الذي يشترط فيه التقابض، والصرف يشترط فيه التقابض، فلا يجوز فيه خيار الشرط، ولا العربون.

٢- هل يجوز أن يكون العربون مبلغًا مستقلا عن سعر السلعة؟

هذه المعاملة المسؤول عنها لا تدخل في بيع العربون المعروف في الفقه الإسلامي، الذي اختلف الفقهاء في حكمه، فمنعه الأئمة الثلاثة، وجوزه الإمام أحمد، لأن بيع العربون الذي أجازه الإمام أحمد يكون العربون فيه مسحوبًا من الثمن، إذا أخذ المشتري السلعة، والمعاملة المسؤول عن حكمها يكون فيها العربون مستقلا عن الثمن، وصورة هذه المعاملة فيما يظهر لي هي: أن يشتري شخص من آخر سلعة بألف ريال، على أن يكون له الخيار مدة معلومة، مقابل مئة ريال، يدفعها للبائع، سواء أخذ السلعة بالألف، أم ترك البيع، إذا كان هذا التصوير للمعاملة هو المراد، فإنها تكون من بيع الاختيار الذي أصدر مجمع الفقه الإسلامي فيه قرارًا بعدم الجواز في دورة مؤتمره السابع.

هذا وقد ذكر الدسوقي من صور بيع العربون الممنوعة "قول البائع للمشتري: لا أبيعك السلعة إلا إذا أعطيتني دينارًا آخذه مطلقًا سواء أخذت السلعة أو كرهت أخذها" (٥) .


(١) فتح القدير ٥ /٣٦٧، وانظر أيضا بدائع الصنائع ٥ /٢١٩.
(٢) المدونة الكبرى ١٠ /٢١.
(٣) المهذب ١ /٢٥٨.
(٤) المقنع ٢ /٣٦.
(٥) الدسوقي على الشرح الكبير ٣ /٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>