وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
فلقد أفدت كما أفاد كل واحد من الحاضرين بالبحوث التي قدمت من التعمق في تناول هذه الموضوعات، وأعتقد أن القضية تبدأ من هذه النقطة، هو أن المسلمين ينقسمون إلى علماء ومقلدين، وأن العالم أو المقلد كلاهما إنما يعود أو يبحث عن حكم الله حتى يطمئن أنه عبد لله في حياته، يعود العالم إلى الأدلة التي يستنبط منها الأحكام ويعود العامي إلى العالم ليفتيه، وكل ذلك لإخراجه عن داعية هواه إلى أن يكون عبدًا لله في حياته. فإذا كان العالم يعمل بفتواه على إخراج مستفتيه من العبودية لله إلى موافقة هواه، أو أن المقلد يبحث عن طريق للخروج من العبودية لله إلى اتباع هواه فذلك هو الضلال المبين، فإذا رجع المستفتي المقلد إلى العالم فأفتاه، ثم ذهب إلى عالم آخر ليفتيه فأفتاه برأي آخر، ثم إلى ثالث فأفتاه برأي آخر فتخير من هذه الأقوال ماهو أوفق لهواه فذلك هو التقليد أو التلفيق الذي لا يقبل في الشريعة، وهو ما تحدث عنه الشاطبي؛ لأن في الواقع الشاطبي قد وقع عليه الهجوم في هذا اليوم بكثرة وأنه من المشددين، لا أعتقد أن الشاطبي مشدد ولكن ما يقوله الشاطبي يقوله الجميع، وكذلك العالم إذا رجع إلى النصوص التي بين يديه واستروح من أقوال من سبقه، فإذا به ينتهي إلى البحث عما يوافق هوى مستفتيه دون مصلحته ودون المصلحة الأساسية التي جاء من أجلها التشريع، فهذا ما لا يقوله أصلاً، أما أن العالم يخرج عن قول مشهور إلى قول آخر فهذا هو الذي يعبر عنه في ميدان الفقه بالعمل عند القضاة، فالعمل عند القضاة هو ما يتحول فيه الفقه من مشهور أو من راجح إلى نظر في المصلحة التي تطلبها الأوضاع الخاصة في المجتمع في عهده، فإذا حكم به القاضي العادل وحكم به من بعده أصبح من نوع العمل، وقد ألفت العمليات سواء أكانت العملية عامة أم العملية خاصة وخاصة في الفقه المالكي وفي المغرب، يوجد في ذلك التآليف الكثيرة التي تدل على أن للقاضي أن يخرج في أحكامه عما هو معروف وعن المشهور إلى طرق أخرى وأحكام أخرى تحقق للناس مصالحهم، فهنا أعتقد أن القضية ليست هي قضية تخير الهوى ولكنه البحث عن المصلحة، والمصلحة هو أن يكون الإنسان عبدًا لله ومتى خرج المستفتي المقلد أو المفتي العالم عن هذه الدائرة ودائرة تحقيق العبودية لله كاملاً والبحث عن المصلحة الحقيقية من التشريع، فإنه يصبح كلامه أو فتواه أو تلفيقه أو جمعه بين المذاهب مردودًا عليه لأنه اتبع بذلك هواه، والهوى ضال مضلل.