للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نأتي إلى موضوع التلفيق، وهنا القصد من أمر التلفيق موضوع تتبع الرخص، تتبع الرخص هنا كانوا يعبرون عنه بمتتبع زلات العلماء، ما زل فيه العلماء، ولكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة، وكل شيء ثبت أنه زلة وليس له وضع ما، هذا يرفض؛ وهو الذي قالوا فيه: إذا أخذت برأي أهل العراق في النبيذ، وأهل مكة في الصرف، وأهل المدينة في مسألة الأجبار فقد اجتمع فيك الشر كله، ولكن أيضا هناك أحيانا ينفرد بعض العلماء برأي ولكنه موجه معتبر، ما قاله الأخ الشيخ عبد الستار إن الرأي الذي رد عليه وشذذ، هذه مسألة نسبية، آراء الشيخ ابن تيمية رد عليها وشذذت وحوكم من أجلها ودخل السجن من أجلها ورفضت في العالم الإسلامي قرونا، ثم أصبحت هي عماد الفتوى وعماد الأحوال الشخصية في بلاد كثيرة، فهذه أيضا مسألة ليست قاطعة، وإنما الأمر الذي ليس له وجه من الشرع بحال؛ وترده الأدلة الصحيحة الصريحة هو الذي يمكن أن يرد، مسألة التلفيق، أيضا الأخ الدكتور وهبة سمعته يقول: إنه ما من عامي إلا وهو ملفق، أعتقد أن العامي لا يلفق وإنما يلفق له، فأما العامي فمذهبه في الحقيقة مذهب من يفتيه.

التلفيق إذا كان القصد هو كما ذكر في اتباع الهوى فقط وليس هناك وجه شرعي أو اعتبار شرعي ما للأخذ من هذا المذهب ومن هذا المذهب، إنما إذا أخذه بعض العلماء؛ بعض الأخوة في بحوثهم قسموا المجتهدين إلى مجتهد مطلق، ومجتهد مقيد. هناك المجتهد الجزئي، والمجتهد الترجيحي، وأعتقد أن معظمنا يشتغل في هذا الميدان، اجتهاد في مسائل جزئية واجتهاد في مسائل ترجيحية، انتقاء لأقوال بعض العلماء ومحاولة ترجيحها ببعض الاعتبارات، ما موقفنا نحن إذا أخذنا بمذهب ما أو رأي ما لا لاتباع الهوى لكن لأننا نرى هذا أليق بالعصر وأوثق بتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق؟ كما فعل الإخوة في البنوك الإسلامية حينما أخذوا بمرابحة مما ذكره الإمام الشافعي في الأم، ولكنهم أو كثير منهم أخذوا برأي الإمام مالك في الإنزال في الوعد، أو برأي ابن شبرمة، أو برأي غيره. فأخذوا هنا لا لاتباع الهوى ولكنهم وجدوا أن هذا أصلح وأليق بالناس، وأرفق بالناس وأبعد عن التلاعب بمصالح الناس، فلا أرى في هذا شيئًا، يعني التلفيق الذي ذكره عنه هو عندما يكون التقليد مطلقًا في المذاهب، وأعتقد أننا في حالة مثل هذا المجمع، هذا المجمع لا يوجد فيه من يقول بالتقليد المطلق بل نحن نبحث في كل المسائل التي تعرض علينا من خلال المذاهب المتبوعة، وحتى من خارج المذاهب المتبوعة، هناك مذاهب ليست متبوعة ولكن هناك أقوال الصحابة والتابعين، فنحن من خلال هذا التراث الضخم كله نبحث ونأخذ ببعض المسائل، قد لا تكون موافقة لمذهب ما، وقد توافق بعض المذاهب وليس من الضروري أن توافق رأي الجمهور؛ مذهب الإمام أحمد عنده مسائل انفرد بها، وألفت فيها كتب خاصة ونشرت بمفردات المذهب فلا مانع أن ينفرد مذهب أو ينفرد رأي عن بقية المذاهب والأقوال ويكون فيه الصلاح ويكون فيه الخير للناس، في عصر ما قد يضعف رأي في عصر ويرد عليه ويشذذ، ويأتي عصر آخر يقوي هذا الرأي، كم من أراء في المذاهب كانت مهجورة فشهرت، وكم من أقوال كانت ضعيفة فصححت؛ لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف كما هو معروف، وشكرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>