للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثالثة: هي أدق الصور، وهي التلفيق بشرع بين عدة مذاهب أو عدة آراء فقهية، لا أقول في موضوع واحد فحسب، ولكن في صميم هذا الموضوع كأن يختار المشرع رأيًا في التقليد كتطليق الضرر، يأخذه من غير مذهب الأحناف، ثم يبيح إثبات هذا التطليق بطريقة لا يرضاها صاحب لهذا المذهب، تطليق الضرر يراه المالكية، والمالكية لا يجيزون الإثبات في النكاح وأمثاله، بل يجب مرتين. بينما يجيز ذلك الأحناف، فهل إذا أخذنا تشريعيًّا بالتطليق للضرر، وهو أمر لا يقره الأحناف، هل يجوز لنا إثبات هذا التطليق أو هذا الضرر بما يراه الأحناف أم لا؟ هذا الأمر كان محل جدل قضائي في مصر، فاتجهت محاكم النقض في أول الأمر إلى القول بأنه لا يجوز إثبات رأي شخص أو رأي مذهب بطرق مذهب آخر، لأن النتيجة لا تكون مقبولة، إلا أن الأمر استقر بعد ذلك في عدة أحكام قضائية في محكمة النقض، على أن إثبات التطليق للضرر إثبات الضرر الموجب بالموجب للتطليق، أخذا بمذهب المالكية. كما ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع للقانون، وإنما يجوز إثباته بطريق الأحناف. أي أنه يجوز إثبات الضرر الموجب للتطليق استنادًا إلى شهادة رجل وامرأتين، وهذا أمر يحتاج منا للفصل، هل من المستساغ بالنسبة لمثل هذا الموضوع وفي موضوع واحد دقيق بهذا الشكل، هل يجوز إثبات هذا الأمر على خلاف ما يراه صاحب الرأي أم لا؟ أتصور أن الاتجاه للتشريع كما قال من سبقوني، جدير بهذا المجمع، وجدير بأن نهتم به في توصياتنا، ولذلك أتصور أنه من الأفضل أن نضيف إلى التوصيات التي تفضل بذكرها بعض الباحثين وعلى الأخص فضيلة الأستاذ وهبة، أن نضيف إليها توصية تنص على أن التشريع مقيد بعدم الخروج على رأي من يقولون بهذا الرأي والاستناد بالإثبات أو ما اتصل بذلك إلى رأي آخر لا يقره ولا يرضاه، وشكرًا.

الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد، فمع شكري لجميع الإخوة الذين بحثوا هذا الموضوع والذين عقبوا وناقشوا، أريد أن أبدي بعض الملاحظات السريعة، أولاً: هناك ملاحظات جزئية على البحوث، وأنا أنصح بأن من وجد مثل هذه الملاحظات الجزئية أن يكتبها في ورقة وإما أن يسجلها للباحث أو للأمانة العامة مثل ماذكر فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع مثلاً بالاستدلال بقوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] في غير موضعه، هذا يجعلنا نعيد كثيرًا ولا يتسع الوقت للكلام عنه في هذه الجلسة والوقت المحدد. ثم أقول بالنسبة للرخصة: أنا أعتقد أن المجمع حينما طلب البحث في مسألة الرخص لم يكن المقصود بالذات هو الرخصة من حيث تكلم عنها الأصوليون وأنواعها إلى آخره فهذا أمر معلوم، إنما الرخصة، أعتقد أن المطلوب في عصرنا، والذي يهتم به المجمع الرخصة في مقابل الشدة كما هو معروف في تراثنا، شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس أي بمعنى التيسير، أعتقد هذا هو المقصود، الأقوال التي فيها نوع من التيسير والترخيص للناس وهو ما أشار إليه الأخ الشيخ عبد الستار، وهو الكلام الذي نقله الإمام النووي في مقدمة مجموع الإمام سفيان بن سعيد الثوري وهو إمام في الحديث أمير المؤمنين في الحديث؛ وهو صاحب مذهب اتبع قرنين من الزمان، وهو أيضا في الورع والزهد، مع هذا يقول: إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد، فالرخصة هنا تعني فعلاً التيسير على الناس، ونحن في عصرنا الحقيقة أحوج ما نكون إلى هذا التيسير.

أخي الشيخ خليل نقل عن الزركشي في قواعده، وإن كانت لي ملاحظة أن يكون الزركشي نقل عن السيوطي لا أدري ولكن السيوطي متأخر عن الزركشي، فالعبارة فيها شيء، إنما المهم مراعاة حال المخاطب ومن يفتي له أو من يجتهد له، ونحن في عصرنا في عصر أحوج ما يكون إلى الترخيص والتيسير لرقة الدين وضعف اليقين والهجمة على الإسلام من كل ناحية، فنحن في حاجة إلى أن نعرض الوجه السمح الميسر، ومن هنا إذا كان هناك قولان متكافئان أو متقاربان أحدهما أحوط والآخر أيسر، بماذا نفتي عموم الناس؟ نفتي عموم الناس بالأيسر، وقد أفتي الشخص القوي بالعزيمة وبالأشد، ولكن الشخص العادي أو عموم الناس وخصوصًا حدثاء العهد بالإسلام، وحدثاء العهد بالتوبة، والأمور الاجتماعية العامة، والأمور التي عمت بها البلوى أعتقد أن الفتوى بالأيسر هي الأولى، وحجتنا في هذا ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.))

<<  <  ج: ص:  >  >>