والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
البحوث القيمة التي قدمت لهذه الندوة المباركة فيما يتصل بالتلفيق هي بحوث قيمة تستحق الثناء العطر، ولا أريد أن أكرر شيئًا مما ورد في هذه البحوث مما سبقني إليه السادة الزملاء، وإنما أريد أن أركز على أمر في منتهى الأهمية بالنسبة للتلفيق بين المذاهب، والتلفيق بين آراء الفقهاء هذا الأمر هو ما يتصل بالتشريع. وقد سبقني بالإشارة إلى ذلك الأستاذ الشيخ عبد الله والأستاذ الشيخ علي السالوس وإنما أريد أن أركز بعض الشيء على هذه النقاط، التشريع - كما تعلمون حضراتكم - يختلف عن فتوى العالم أو الجاهل، ذلك لأنه ملزم بالعالم وبالجاهل كليهما، وهو عادة لا يستند إلى قوة الدليل فيقال بين الآراء المختلفة ليختار رأيًا يراه أنه دليل أقوى، وإنما يستند عادة إلى المصلحة.
الأمر الثالث: أن التشريع لا يختص بموضوع دون آخر، وهذا معيار من المعايير التي اتخذتها بعض الأبحاث التي قدمت للتفرقة في الحكم بين موضوع وآخر فباستثناء العبادات يرد التشريع في كافة المسائل المتصلة بحياة الناس وأمورهم، قد يكون اتصال التشريع بهذه الأمور في إحدى صور ثلاث، والصورة الأولى: أن يلفق التشريع بين المذاهب المختلفة في عدة مواضيع وعدة أمور كأن يختار المذهب الشافعي مثلاً نظام المتعة المطلقة، أو يختار من خارج المذاهب الأربعة رأيًا يراه جديرًا بالتطبيق متفقًا مع المصلحة، كأن يختار نظام الوصية الواجبة ليطبقها إلزاميًّا في نظام الميراث أو ما يتصل بنظام الميراث، الصورة الثانية: أن يلفق المشرع بين أمور مختلفة تعتبر متصلة اتصالاً وثيقًا بأمر واحد كما إذا لفق في شروط الزواج فأباح الزواج بغير ولي وبلا شهود وبلا صداق، وهذا ما تطرقت إليه الأبحاث القيمة التي قدمت، وانتهوا فيها إلى آراء بعضها يجيز وبعضها يمنع، والأمر بالنسبة إلى التشريع في حاجة إلى تركيز في هذه النقطة وهل نأخذ بما قاله البعض؟ أتصور بأن هذا الأمر يحتاج منا إلى دراسة حتى نستطيع أن نضمن توصياتنا – بإذن الله – ما يشير إلى جواز هذا أو عدم جوازه.