فى الواقع مجلة الأحكام العدلية في العهد العثماني أخذت بقدر يسير، يعني المجلة وضعت على وفق المذهب الحنفي، ولكن الذين وضعوا المجلة وجدوا أن الخروج في بعض المسائل على القول الراجح في المذهب الحنفي وأخذوا بالقول المرجوح فيه. كما أنهم أحيانا خرجوا عن المذهب الحنفي وأخذوا مذهب ابن شبرمة فيما يتعلق بالشروط وقالوا: إن ذلك أوفق وأصلح لمصلحة الناس، وفي العصور المتأخرة بدأت لجان بمصر بوضع قانون الأحوال الشخصية خرجت فيها أيضا عن المذهب الحنفي وأخذت في بعض الأقوال بمذهب المالكية خصوصًا فيما يتعلق بتطليق المرأة وبالإعسار وبالإعسار في النفقة، وهكذا ففي الواقع خلاصة الأمر أن الثمرة المرجوة من هذه البحوث؛ من هذا الموضوع، هو هذا وأرجوا أن نتفق على رأي يسهل الأمور للناس ويبعدهم عن العبث وعن المشقة وما إلى ذلك، لأن التقيد بمذهب واحد فيه مشقة وفيه نوع من التضييق على الناس، إن الانتفاع والاستفادة من الفقه الإسلامى كله يحقق المصلحة ويحررنا ويحرر الشعوب الإسلامية الذين ساروا خلف التشريع الوضعي، لأنهم رأوا في بعض الأقوال أو في بعض المسائل ما لا يتفق مع ظروف العصر خصوصًا فيما يتعلق بالمعاملات فلجؤوا إلى الاقتباس أو الأخذ من التشريعات الوضعية، وأنا أجد أن الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة يحقق هذا الغرض ويحمينا من التبعية التشريعية للقوانين الأجنبية وأكتفي بهذا وشكرًا.
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر فضيلة الدكتور الزحيلي على هذا البحث القيم، وكذلك إخواني الذين تطرقوا إلى هذا البحث فإنهم قد أجمعوا تقريبًا على هذه الملاحظة التي أريد أن أعرضها على الدكتور وغيره من الباحثين للرخصة جعلوا باب السلم وباب الإيجار والمساقاة وكذلك العرايا جعلوها أنها مستثناة من الرخص، أما العرايا فهذا لا شك في ذلك لأن بيع التمر في رؤوس النخل هذا ممنوع بيعه بتمر آخر إلا أنه استثنى هذا من أجل التفكه وأكل الرطب استثنى من ذلك، وأما موضوع السلم فالسلم هذا جعلوه مستثنى من المانع من بيع المفقود أو المعدوم، وهذا أمر غير وجيه لأن بيع السلم إنما هو بيع موصوف في الذمة والبيع الموصوف بالذمة لا يوصف بأنه معدوم ولا يوصف بأنه موجود؛ وإنما هو أمر موصوف بالذمة والرخصة هي نوع من التخصيص تخصيص للعموم، والمخصص لابد أن يكون متأخرًا عن العموم وعليه أن السلم وبيع السلم سابق للنهي عن بيع المعدوم، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد الناس يسلفون في الثمار العام والعامين فقال ((من يسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) معناه أن هذه المعاملة سبقت الإسلام وأن الإسلام أقرها وأنها لم تكن مستثناة من بيع المعدوم، وكذلك أيضا الإيجارات وهي بيع ممنوع ولا نصفها بالعدل وإنما هي مقابل لبيع العيان والذي أحب أنا أن ألاحظ عليه هو بيع السلم لأن من أراد أن يقول إنه بيع معدوم يريد أن يقول إنه على خلاف القياس، والسلم على قياس وهو حكم مستقل وليس مستثنى من بيع المعدوم وكذلك الإيجارات نفسها بيع منافع، أما المساقاة فلا توصف بأنها مشاركة بل هي نوع من المشاركات لأن هذا منه مثلاً النخل ومنه الأرض وهذا منه العمل كالمضاربة شبيهة بالمضاربة وبناء عليه أرى وإن كان الإخوان أجمعوا على نقل العبارات من تلك المراجع إلا أني أرى إعادة النظر في هذا الباب وشكرًا.