للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبينت قضية ضوابط الأخذ بالرخصة، وهذا هو العمود الفقري في هذا الموضوع؛ لأنه لا ينبغي أن نأخذ بالرخص على إطلاقها وإنما نبيحها إذا وجد هناك عذر، والعذر يشمل المشقة والحاجة، وهناك أمثلة للعذر مثل حال الضرورة وحال الحاجة والإكراه والسفر والمرض والخوف الشديد وبينت أن المشاق تتفاوت بحسب ما يتعرض له الإنسان من أحوال مما يقتضي أن يكون هناك إلحاح في تخفيف الحكم الشرعى بالنسبة لشدة المشقة أو خفتها فبينت ما ذكره ابن نجيم في قضية تصادم المشقة مع النص، وأوضحت أنه مع النص لا يجوز التخفيف بالمشقة إلا في حال الضرورة التي نص عليها القرآن الكريم أو ما هو في معنى الضرورة.

ثم بينت موضوع الشائع العمل به بين الناس في قضية تتبع الرخص، وأما تتبع رخص المذاهب الفقهية فهو محل خلاف شديد بين العلماء، ومعنى تتبع الرخص أن يأخذ الشخص في كل مذهب ما هو أهون عليه وأيسر فيما يطرأ عليه من المسائل، ومتأخرو العلماء شرطوا أن لا يؤدي التقليد إلى تتبع الرخص، وآراؤهم في هذا تتفاوت بين مراحل أو مراتب ثلاثة فمنهم المشدد ومنهم الضيق ومنهم المتوسط.

فالمشددون في تتبع الرخص قالوا: لا يجوز تتبع الرخص، وهم كثيرون؛ لأنه اتباع للهوى وعمل بالشهوة وأن اتباع الهوى لا يجوز ولذلك منعوا تتبع الرخص وحكى بعضهم كابن عبد البر وابن حزم الإجماع في ذلك، ولكن سنبين أن هذا الإجماع أو حكاية هذا الإجماع محل نظر لأن كثيرًا من العلماء نازعوا فيه مما يدل على عدم ثبوت الإجماع في منع تتبع الرخص.

والمخففون – وهم أكثر الشافعية وأكثر الحنفية – أجازوا تتبع الرخص لأنه لم يوجد في الشرع ما يمنع منه، وأوضحوا أن الإسلام يقوم على مبدأ السماحة واليسر، وأنه سواء في نصوص القرآن والسنة ما يدل صراحة على أن هذه الشرعية دائمًا تتجاوب مع مبدأ اليسر في الأحكام والتنفير من التشديد على الناس.

وبعضهم توسط في الموضوع – وهو القرافي – فقال: يجوز تتبع الرخص بشرط ألا يترتب عليه العمل بما هو باطل عند جميع من قلد. وهذا القول في الحقيقة الذي ذكره القرافي لا نجد دليلاً عليه من نص أو إجماع وإنما هو اصطلاح ذكره بعض المتأخرين، وكذلك قول ابن عبد البر: لا يجوز تتبع الرخص إجماعًا؛ أيضا لا نسلم صحة النقل عنه وإن نقل. فإن هذا متأول لأن فيه تفسيق متتبع الرخص ... وحمل القاضي أبو يعلى الرواية المفسقة على غير متأول ولا مقلد. ورأيت في النهاية أن الراجح جواز تتبع الرخص للضرورة أو الحاجة دون أن يكون هناك قصد التعمد وقصد العبث أو التلهي وبشرط ألا يؤدي تتبع الرخص إلى التلفيق الممنوع؛ لأن هناك حظرًا في بعض أحوال التلفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>