للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة ليس بكثرة العمل ولا بالتشديد وإرهاق النفس، وإنما دخول الجنة بفضل من الله ورحمة منه، وأن أحب العمل عند الله تعالى أدومه وإن قل، وفى هذا المعنى ورد حديث أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما إذ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسم ((: سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل)) (١) .

وبالحديث الآخر لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يدخل أحدًا الجنة عمله! قالوا: ولا أنت يارسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة ")) (٢) . كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أراد – رغم ذلك – أن يطيل في العبادة أو أن يقل فلا يلزم الناس بما أراد، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) (٣) .

ولقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة المعالم، نهجها الاعتدال، ديدنها التيسير والتخفيف على الناس، وقد أعلن هذا الاتجاه نبينا يوم جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، قال أنس رضي الله تعالى عنه: ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها. فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكنى أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ")) (٤) .


(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق – باب القصد والمداومة على العمل.
(٢) نفس المصدر والكتاب والباب. وفيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مع اختلاف قليل في اللفظ
(٣) انظر: البخاري. كتاب الأذان – باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء
(٤) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي في النكاح. انظر: البخارى: كتاب النكاح – باب الترغيب في النكاح. وانظر ذخائر المواريث عدد ٦٧٠

<<  <  ج: ص:  >  >>