ومثاله أيضًا: سقوط المؤاخذة بالإفطار في رمضان عن الصائم إذا أكره عليه، مع أن الحكم الأصلي، وهو حرمة الإفطار قائم لم ينسخ، لقيام الدليل، وهو قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥] . لكن جاء العذر، وهو الإكراه، فرخص له في الإفطار، ودليل الرخصة: أن حق الله تعالى لا يفوت لإمكان تداركه بالقضاء، وحق المكره في نفسه يفوت بالامتناع من الإفطار، لا يمكن تداركه، فجاز له الإفطار بمعنى أنه سقط المؤاخذة عنه.
وكذلك إذا أكره على إتلاف مال الغير، فإنه يرخص له ذلك مع أن الحكم الأصلي قائم، وهو حرمة الإتلاف، لقيام الدليل المحرم، وهو النصوص الدالة على حرمة مال الغير، كقوله صلى الله عليه وسلم:((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا)) (١) ودليل الرخصة أن حق المكره في نفسه يفوت، ولا يمكن تداركه، وحق الغير يمكن تداركه بضمان المثل أو القيمة.
وكذا إذا ترك الخائف على نفسه الأمر بالمعروف جاز له ذلك بشرط أن يكون كارهًا لذلك بقلبه، مع أن الحكم الأصلي قائم، وهو حرمة ترك الأمر بالمعروف، لقيام الدليل، وهو النصوص الدالة على حرمة الترك، كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) } [العصر] .
(١) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم ١٢١٨. وأبو داود في المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم ١٩٠٥، ١٩٠٧، ١٩٠٨، ١٩٠٩. والنسائي في الحج، باب الكراهية في الثياب المصبغة للمحرم، وباب ترك التسمية عند الإهلال، وباب الحج بغير نية يقصده المحرم، وباب العمل في الإهلال، وباب إهلال النفساء، وباب سوق الهدى، وباب كيف يطوف، وغيرها من مواضع شتى ٥ / ١٤٣، ١٤٤ وأخرجه أيضا ابن ماجه في المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم ٣٠٧٤.