للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الأول:

وهو أحق نوعي الحقيقة، أي: أقوى وأثبت في كونها رخصة حقيقية، وهي ما عوملت معاملة المباح في سقوط المؤاخذة عن من عمل بها (١) مع أن الحكم الأصلي، وهو الحرمة قائم، لقيام الدليل.

مثاله: سقوط المؤاخذة عن من أكره بما يخاف على نفسه بالقتل أو على عضو منه بالقطع (٢) على إجراء كلمة الكفر، فإنه يرخص له إجراء قول الكفر على لسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، فالحكم الأصلي، وهو حرمة قول الكفر قائم لم ينسخ، ودليله قائم أيضًا، وهو النصوص الدالة على حرمة الكفر، سواء كان باللسان أو بالقلب، لكن جاء العذر، وهو الإكراه بالقتل أو القطع، فرخص له إجراء كلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، ودليل الرخصة قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: ١٠٦] .

ولأن حقه في نفسه يفوت بالامتناع من إجراء كلمة الكفر صورة ومعنى، أما صورة فبتخريب البنية، وأما معنى فبزهوق الروح، وفي الإجراء لا يفوت حقه تعالى لقيام الركن الأصلي، وهو التصديق بالقلب، واستدامة الإقرار باللسان في كل وقت ليس بركن إلا أن في إجراء كلمة الكفر هتك حرمة حق الله تعالى صورة، وفي الامتناع من الإجراء مراعاة لحقه صورة ومعنى.

فحرمة إجراء كلمة الكفر عزيمة، فلو صبر وامتنع من الإجراء حتى قتل، أو قطع عضو منه كان مأجورًا، وسقوط المؤاخذة بإجراء كلمة الكفر على لسانه مع كونه حرامًا رخصة بمعنى أنه لا يعاقب فاعله إذا أكره عليه، لا بمعنى أنه صار مباحًا، لأن حرمة الكفر قائمة أبدًا، لقيام الدليل المحرم، فلا يلزم من سقوط المؤاخذة ثبوت الإباحة وسقوط الحرمة، كمن ارتكب كبيرة فعفي عنه، فإن العفو لا يصير الكبيرة مباحة (٣) .

فهذه الرخصة تشبه المباح في سقوط المؤاخذة عن من عمل بها، ويخالفه في كون التارك لها مأجورًا، لأن حقيقة المباح ما استوى طرفاه، أي: فاعله وتاركه سواء لا يعاقب ولا يثاب.


(١) أي لا أنه يصير مباحًا في نفسه، كما في المصدر السابق.
(٢) لا بما دونه، كما في المصدر السابق.
(٣) تسهيل الوصول ص ٢٤٨، ونور الأنوار مع كشف الأسرار ١ / ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>