إن موضوع " الأخذ بالرخص الشرعية وحكمه " من أهم مواضيع العصر التي يسأل عنها كثير من الناس بسبب ميلهم للأخذ بالأخف والأيسر أو الأهون، مع مراعاة قواعد الشريعة وأحكامها العامة، وهو يتناول موضوعات ثلاثة هي: الرخصة وحكمها، وتتبع الرخص، والتلفيق.
أما الرخصة: فهي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر، والعذر: هو المشقة أو الحاجة، وتطلق في مقابل العزيمة: وهي ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء؛ لتكون قانونا عامًّا لكل المكلفين في جميع الأحوال.
ومنشأ الترخيص أو التخفيف في الشريعة الإسلامية: هو الأخذ باليسر والسماحة ودفع الحرج الذي امتازت به على الشرائع السابقة، مراعاة لأحوال الملكفين من الناس، وضمانا لخلود الشريعة وديمومتها وبقائها مع اختلاف الأزمان والعصور.
والأخذ بالرخصة أمر مباح، وقد يصبح مندوبا كقصر الصلاة الرباعية في حال السفر، في رأي الجمهور أو واجبًا في رأي الحنفية، وقد يصبح واجبًا إذا ترتب على الرخص الحفاظ على النفس كضرورات تناول الأطعمة والأشربة في حال الإضرار أو الإكراه. وقد تكون الرخصة حقيقية وهي رخصة الترفيه: وهي التي يكون حكم العزيمة معها باقيا، والدليل قائما كالتلفظ بالكفر في الظاهر عند الإكراه، وإتلاف مال الغير مكرهًا، وقد تكون مجازية: وهي التي لا يكون حكم العزيمة معها باقيا، وإنما يسقط الحكم كإباحة تناول المحرمات، وشرب الممنوع عند الضرورة، وتعاطي المخدرات في حال العلاج أو الدواء، كالعمليات الجراحية. وأمثلة العذر المبيح للترخيص أو التخفيف: الضرورة، والحاجة، والإكراه، والسفر، والمرض، والخوف الشديد نحو ذلك.
وضابط المشاق في المعاملات مرتبة واحدة وهي أدنى المشاق فيها، وفي المعاملات متفاوتة، فلكل عبادة مرتبة معينة من المشاق المؤثرة فيها إسقاطا أو تخفيفا، وتختلف المشاق بالقوة والضعف، وبحسب الأحوال، وبحسب قوة العزائم وضعفها، وبحسب الأزمان، وبحسب الأعمال، وكذلك الصبر على الجوع والعطش يختلف باختلاف هذه الأحوال، لذا أقام الشرع في جملة منها السبب مقام العلة، كالسفر والمرض. وتعتبر المشقة والحرج في موضع لا نص فيه. ويصح الفعل مع تحمل المشقة إلا إذا خشي المكلف الهلاك أو الضرر العظيم. فيجب حينئذ الأخذ بالرخصة، ويعصي إن لم يأخذ بها.