خاتمة البحث
يتبين لنا من خلال البحث ما يلي:
١- العمل بالرخصة (وهي ما شرع من الأحكام استثناء لعذر) أمر مباح مساو للعمل بالعزيمة (وهي الأحكام الأصلية الكلية) وقد تكون مندوبة لحاجة، أو واجبة إذا كانت سببا للحفاظ على الحياة، أو خلاف الأولى عند عدم الحاجة.
٢- العذر المبيح للأخذ بالرخصة: هو الضرورة أو الحاجة أو المشقة أو الإكراه، أوالسفر أو المرض أو الخوف الشديد ونحو ذلك مما يتلاءم مع سماحة الشريعة ويسرها.
٣- وضابط المشقة في العبادات يختلف بحسب كل عبادة تؤثر فيها إسقاطا أو تخفيفا، وأما في المعاملات فهي مرتبة واحدة من المشاق، وهي أدنى المشاق فيها.
٤- والمشقة أو دفع الحرج إنما يعتبر في موضع لا نص فيه. ويصح الفعل مع المشقة إلا إذا أدت إلى الضرر أو احتمال الوقوع في الهلاك بحسب غلبة الظن أو اليقين.
٥ – لا مانع من تتبع الرخص أو الأخذ بما هو أهون وأيسر على المكلف للضرورة أو الحاجة، دون تعمد التتبع أو قصد العبث والتلهي، وبشرط ألا يؤدي إلى التلفيق الممنوع.
٦- التلفيق الممنوع ثلاثة أنواع: تتبع الرخص عمدًا، والذي يستلزم نقض حكم الحاكم، والذي يستلزم الرجوع عن الحكم بعد العمل به، أو بعد الأمر اللازم لأمر آخر مجمع عليه.
٧- التلفيق جائز للضرورة أو الحاجة في أحكام الشريعة المبنية على اليسر والسماحة كالعبادات المحضة، وفي الأحكام المبنية على مصالح العباد وسعادتهم كالمعاملات والعقود، وبناء الأسرة، ولا يجوز في العبادات المالية كالزكاة، ولا في المحظورات المبنية على الورع والاحتياط كقضايا الزواج هدما، والعلاقات المشبوهة بين الرجل والمرأة، والمحظورات المتعلقة بحقوق العباد صونا للحق ومنعا للاعتداء.
ويكون ضابط جواز التلفيق ومنعه: هو أن كل ما أفضى إلى تقويض دعائم الشريعة والقضاء على سياستها وحكمتها، فهو محظور، وكل ما أيد دعائم الشريعة وصان حكمتها وسياستها لإسعاد الناس في الدراين بتيسير العبادات عليهم، وصيانة مصالحهم في المعاملات، فهو جائز مطلوب.
٨- على المفتي أو المجتهد التزام ثوابت الشريعة وأحكامها الأساسية، وفي المتغيرات يلزمه اتباع ظاهر الكتاب والسنة، والإفتاء بالراجح من آراء أئمة المذاهب، والترجيح يكون باتباع الحديث الصحيح، ثم مراعاة المصالح الزمنية، والأعراف الصحيحة التي لا تصادم نصوص الشريعة، وملاحظة مبدأ سد الذرائع إلى الفساد والشرور والنزاع؛ لأن العمل بالراجح أمر يوجبه الشرع والعقل.
٩- آن للمقلدين أن يتخلوا عن العصبية المذهبية التي تفرق ولا تجمع، وتضر ولا تنفع؛ لأن الله تعالى إنما تعبدنا بالعمل بالكتاب والسنة وما يرد إليهما.
والحمد لله رب العالمين