أي أن هذه الموالاة لا تنجم إلا عن مرض نفسانى، وفي هذا السياق نفسه حذر الله تبارك وتعالى من الارتداد؛ إذ قال عز من قائل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
هذا كله يدل على أن هذه الموالاة والاسترسال فيها تؤدى والعياذ بالله إلى الردة، لأن المسلم يزهد في قيم الإسلام شيئًا فشيئًا، قد يزهد أولًا في ما يسميه في الشكليات ثم ينتهي به المطاف إلى الزهد في الجوهريات، والمسلم الواثق بالله سبحانه وتعالى عليه أن يشعر أن أي مسلم كان على ظهر هذه الأرض هو حارس أمين، أولًا: هو حارس أمين يقف على ثغرة من ثغور هذا الدين يخشى أن يؤتى الإسلام من قبله. ومن ناحية ثانية هو مبلغ لأمانة الله إلى عباد الله، مبلغ لدعوة هذا الدين، والمسلمون الذي انطلقوا من صحراء الجزيرة العربية وكانوا كما يصفهم أحد الكاتبين كأنما جاء هذا القرآن ولفظ هذه الصحراء تحت شعاع الشمس فتفرقت ذرات هذه الصحراء في الأرض، ووقعت وراء كل ذرة عربية من هداية القرآن، أولئك المسلمون ساسوا الممالك التي كانت من قبل تساس من قبل أباطرة الأرض مع أنه لم يسبق للعرب قبل هذا الإسلام الذي شرفهم الله تعالى به أن ساسوا أمة من الأمم، لم يبسق لهم أن بنوا لأنفسهم دولة، اللهم إلا بعض الدويلات في بعض الأماكن، فكيف أمكن هؤلاء الذين خرجوا من صحراء الجزيرة العربية أن يسوسوا ممالك كسرى وممالك الروم على ضوء القرآن لولا أن الله تبارك وتعالى غرس في نفوسهم الإيمان، وكان أحدهم يقول: إن الله قد ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، والآن ونحن غزينا هذا الغزو ومع كوننا غزينا هذا الغزو نثق في وعد الله بأن ينصر هذا الدين ونثق بأن أية قوة في الأرض لا يمكنها أن تقف في وجه انتشار هذا الإسلام وظهور هذا الإسلام، كما لا يمكن لأي قوة في الأرض أن تمنع الشمس أن تطلع وأن تمنع النهار بأن يسطع، إلَّا أننا مع ذلك ما الذي أعددناه، إنما علينا أن نعد العدة، عملًا بقول الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} .