للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما أجدر هذه الأمة أن تعتز أولًا بقيمها، فما دامت الشيوعية التي تعتمد المادية أفلست، فإن هذا الفراغ الذي تركته لا يمكن أن يملأها إلا الإسلام الذي يعطى كل شيء من جوانب الحياة البشرية حقه، فيعطى الجانب الروحى حقه ويعطى الجانب المادي حقه، والذي جاء لما يحل مشكلات الناس إلى أن تقوم الساعة، سواء من ناحية اقتصادية أو ناحية اجتماعية أو ناحية ثقافية أو ناحية إعلامية أو أي ناحية أخرى، ولكن هل المسلمون اليوم يطبقون الإسلام، إن الفراغ العظيم الذي عند المسلمين أنفسهم هو المصيبة الكبرى، فهناك فجوة كبيرة بين قيم الإسلام وواقع الأمة الإسلامية، فإذا نظر أحد إلى الناحية السياسية أو الناحية الإعلامية أو الناحية الاجتماعية أو الناحية الثقافية أو الناحية التربوية يجدها بعيدًا عن الإسلام، فالإعلام الذي في بلاد الإسلام يغزو المسلمين في عقر ديارهم، يتخطى الحدود ويقتحم السدود ليغزو المسلمين في بيوتهم، ومناهج التربية والتعليم هي أيضًا بعيدة عن قيم الإسلام، عن غرس الروح الإسلامية في نفوس المسلمين، ثم من ناحية أخرى فإن أعداء الإسلام قد توصلوا إلى زعزعة ثقة المسلمين بموارثهم الفكرية والتاريخية، وهم بذلك قد أحرزوا نصرًا تحدثوا عنه بأنفسهم، فالمنصرون كانوا قبل كل شيء يهمهم أن يُنَصِّروا المسلمين، والمجتمعات التنصيرية أو المؤتمرات التنصيرية التي انعقدت كلها ينصب أهمها في ذلك , فالمؤتمر التنصيري الذي انعقد في مصر برئاسة زويمر في عام ١٩٠٦م، ثم تلاه بعد ذلك المؤتمر التنصيري في أدنبرج ثم المؤتمر في عام ١٩١٠ , ثم المؤتمر التنصيري في لاكتيو في عام ١٩١١م، كلها كانت تصب همها في هذا الإطار، وفي المؤتمر الذي انعقد في مصر وضعوا حدًّا لتنصير المسلمين في مدة خمسة وعشرين عامًا، وكان من كلام زويمر: إننا واثقون بأن المسلمين سيتلقون التعاليم النصرانية تلقائيًّا ما داموا يتلقون المعارف الأوروبية، وقال: بأنه يجب أن تقطع الشجرة ببعض أغصانها أي أن يحارب السملمون بأبنائهم الذي يتلقون المعارف من الأوروبين، إلا أن المدة التي حددوها انتهت وتحطمت آمالهم على صخرة الإسلام، فأفضى بهم الأمر أخيرًا إلى محاولة إبعاد المسلمين عن الإسلام، وبهذا يرون بأنهم يحققون أعظم المكاسب، وقد تحدث زويمر عن ذلك أيضًا في مؤتمر القدس في عام ١٩٣٥م، إذ قال في هذا المؤتمر: إن مهمة التبشير التي ندبتكم من أجلها الدول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في تنصير المسلمين، لأن في ذلك هداية لهم وتكريمًا، وإنما هي في إخراج المسلم من الإسلام وجعله مخلوقًا لا صلة له بالله وبالتالى لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبهذا تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعمارى في الممالك الإسلامية. وهم حققوا نصرًا لا يستهان به في هذا المجال، لأنهم زهدوا المسلمين في مواردهم الفكرية والتاريخيه، فأصبح المسلم اليوم يرى أن مجده وعزه وشرفه في تقليد الآخرين، مع أن الدين الحنيف جاء بغرس اعتزاز المسلمين بالقيم الإسلامية وعدم تأثر المسلمين بسلوك الآخرين، كما جاء أيضًا بما يغرس في نفوس المسلمين الثقة بالعقيدة الإسلامية، وحذر الإسلام الحنيف من أية موالاة لأعداء الإسلام، فالله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ} إلى أن قال سبحانه: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} .

هذه أمنية كل كافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>