للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكفي أن نشير هنا إلى كتابين في فقهه في هذا الموضوع يعتبران من أهم الكتب المؤلفة في التشريع الدولي في الإسلام.

أولهما: كتاب الرد على سير (١) الأوزاعي لأبي يوسف رحمه الله تعالى.

ثانيهما: كتاب السير الكبير لمحمد رحمه الله، وقد شرحه السرخسي، وهو من أقدم وأهم مراجع الفقه الإسلامي في العلاقات الدولية، وقد طبع أخيرًا تحت إشراف جامعة الدول العربية.

ولا يخفى أمر هذين الكتابين على (جولدتسيهر) وكان بإمكانه لو أراد الحق أن يعرف ما إذا كان أبو حنيفة جاهلًا بالسيرة أو عالمًا بها من غير أن يلجأ إلى رواية (الدميري) في (الحيوان) , وهو ليس مؤرخًا , وكتابه ليس كتاب فقه ولا تاريخ، وإنما يحشر فيه كل ما يرى إيراده من حكايات ونوادر تتصل بموضوع كتابه من غير أن يعني نفسه البحث عن صحتها.

فقد أعرض (جولدتسيهر) عن كل ما دون عن تاريخ أبي حنيفة تدوينًا علميًّا ثابتًا، واعتمد رواية مكذوبة يردها طالب العلم المبتدئ في الدراسة.

وقد دعم (جولدتسيهر) بهذه الرواية المكذوبة ما تخيله من أن السنة النبوية من صنع المسلمين في القرون الثلاثة الأولى.. إلى غير ذلك من الأمثلة التي اعتمد فيها المستشرقون على روايات ضعيفة وردت في كتب السيرة وكتب الأدب، للتشكيك في الإسلام، وتشويه السنة النبوية، وسيرة المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (٢) .

إن كتابة السنة النبوية، وأحداث السيرة قد تأخر قليلًا، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد نهي عن هذه الكتابة حتى لا يختلط بالقرآن الكريم غيره، ولقد حاول المنافقون وأعداء الإسلام أن ينفذوا من خلال ذلك لتحقيق أحلامهم بهدم الإسلام من داخله، فاختلقوا أقوالًا، ونسبوها إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففطن إلى ذلك العلماء وبدأوا يكتبون السنة النبوية ويمحصون رواياتها بدقة بالغة.

أما التاريخ الإسلامي، وأحداث السيرة فبدأ المسلمون في تدوينه في منتصف القرن الثاني للهجرة، واكتفي المؤرخون بجمع الأخبار التي يسمعونها في عصرهم بجانب ما يجدونه من المخطوطات، واعتبروا أن الأمانة العلمية تقتضي كتابة ما سمعوه، ولو كان فيه أشياء لا يصدقها الإنسان، لأنهم على يقين أن المسلمين لا يأخذون هذه الروايات دون تمحيصها ومعرفة الصحيح من السقيم والمكذوب، طبقًا لقواعد الجرح والتعديل التي كانت سائدة، وهذا ما اعتذر عنه الطبري عما نقله من أخبار عن بعض الماجنين، حيث نبه أنه نقل ما سمع من شناعات لتخضع للتحقيق والتمحيص بمعرفته أو بمعرفة من بعده من المحققين، وهذا ما شرع فيه ابن العربي وابن خلدون.


(١) راجع مزيدًا من التفصيل في كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ص ٣٨٥ وما بعدها
(٢) الغزو الفكري للتاريخ والسيرة، سالم علي البهنساوي: ص ٧ وما بعدها، دار القلم بالكويت، ط١، ١٤٠٦ هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>