يعتمد جمهرة المستشرقين من أعداء الإسلام في تحرير أبحاثهم عن الشريعة الإسلامية على ميزان غريب بالغ الغرابة في ميدان البحث العلمي، فمن المعروف أن العالم المخلص يتجرد عن كل هوى وميل شخصي فيما يريد البحث عنه ويتابع النصوص والمراجع الموثوق بها، فما أدت إليه بعد المقارنة والتمحيص كان هو النتيجة المحتمة التي ينبغي عليه اعتقادها.
ولكن أغلب هؤلاء المستشرقين من مسيحيين ويهود يضعون في أذهانهم فكرة معينة يريدون تصيد الأدلة لإثباتها، وحين يبحثون عن هذه الأدلة لا تهمهم صحتها بمقدار ما يهمهم إمكان الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصية، وكثيرًا ما يستنبطون الأمر الكلي من حادثة جزئية ومن هنا يقعون في مفارقات عجيبة لولا الهوى والغرض لربأوا بأنفسهم عنها، ومن الأمثلة على ذلك:
١- ما زعمه المستشرق (جولد تسيهر) بأن الحديث في مجموعه من صنع القرون الثلاثة الأولى للهجرة وليس من قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وادعى أن أحكام الشريعة لم تكن معروفة لجمهور المسلمين في الصدر الأول من الإسلام، وأن الجهل بها وبتاريخ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لاصقًا بكبار الأئمة، وقد حشد لذلك بعض الروايات الساقطة المتهافتة، من ذلك ما نقله عن كتاب الحيوان للدميري من أن أبا حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ لم يكن يعرف هل كانت معركة بدر قبل أحد أم كانت أحد قبلها (١) .
وهذا الكلام يرده أقل الناس معرفة بالتاريخ، فأبو حنيفة وهو من أشهر الأئمة في الإسلام الذين تحدثوا عن أحكام الحرب في الإسلام حديثًا مستفيضًا في فقهه الذي أثر عنه، وفي كتب تلامذته الذين نشروا علمه كأبي يوسف ومحمد، ويستحيل على العقل أن يصدق بأنه كان جاهلًا بوقائع سيرة الرسول ومغازيه وهي التي استمد منها فقهه في أحكام الحرب.
(١) د. مصطفي السباعي: الاستشراق والمستشرقون، ما لهم وما عليهم: ص ٤٤، المكتب الإسلامي