للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(د) الرجوع إلى المصدر الأول، وهو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (١) .

(هـ) الإقرار: عن سماك عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ((إن بين يدي الساعة كذابين)) قال: فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ (٢) قال نعم.

(و) المواجهة: وهي أن الصحابة رضي الله عنهم كان إذا بلغهم حديث عن واحد منهم وشكوا فيه ذهبوا إليه واستيقنوا من روايته للحديث، والأمثلة على ذلك كثيرة (٣) .

فهذه الآثار معلم واضح على تحري الصحابة، وما كانوا عليه من التثبت والتدقيق في قبول الأخبار صونًا لها من التحريف، وصيانة لها من التبديل، وليس في تمحيصهم للرواية وتشددهم في قبولها ما يفيد أنهم كانوا يكذّبون ناقل الحديث بل كانوا يخشون الخطأ في النقل، والغلط في الحفظ، والوهم في الضبط، فلا يؤدي الحديث على وجهه (٤) .

وتسلم الراية من بعدهم التابعون وأتباعهم، وواصلوا جهد من سبقهم، رواية وحفظًا وتوثيقًا، فلسكوا ذات السبيل واستقاموا على المنهج نفسه، وأضافوا ما توصلوا إليه من دراساتهم وبحوثهم مما اقتضاه المقام وأوجبته الحال، فعنوا بالإسناد الذي يقوم عليه بنيان الحديث، ووقفوا على أحوال الرواة عدالة وضبطًا، وتكلموا فيهم وبينوا أمرهم، ووضعوا شروطًا للتحقق من استقامة الرواة وضبطهم، ودرسوا أحوال المروي ونظروا في ضروب التلقي والتحمل وكيفية الأداء، واتجهوا إلى معرفة علل الأحاديث الخفية والبينة، وميزوا الأحاديث الصحيحة من السقيمة وكشفوا انتحالها وزيفها فاستقام لهم المنهج الذي حفظ من أي تبديل أو تحريف (٥) . كما وضع علماء الحديث شروطًا للراوي أجملها الإمام الشافعي بقوله: (ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة (الواحد) حتى يجمع أمورًا، منها: أن يكون من حدَّث به ثقة في دينه، معروفًا بالصدق في حديثه، عاقلًا لما يحدث به، عالمًا بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، حافظًا إن حدث من حفظه، حافظًا لكتابه إن حدث من كتابه، إذا شرك أهل الحفظ وافق حديثهم , بَرِيًّا من أن يكون مدلسًا ـ يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه. ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي ـ ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولًا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو إلى من انتهي به إليه دونه) (٦) .


(١) انظر: صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ٨/ ١٧٩ بشرح النووي
(٢) أخرجه مسلم , كتاب الفتن وأشراط الساعة: ١٨/ ٤٥ بشرح النووي
(٣) راجع: ما أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ٨/ ١٧٩ بشرح النووي. والسنن الكبرى، للبيهقي، كتاب البيوع، باب تحريم التفاضل بالجنس الواحد ممن يجري فيه الربا مع تحريم النَّساء: ٥/ ٢٧٩
(٤) أصول منهج النقد عند أهل الحديث: ص ٤٧، عصام أحمد البشير، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، بيروت، ط١، سنة ١٤١٠ هـ ١٩٨٩ م
(٥) أصول منهج النقد عند أهل الحديث: ص ٥٦، عصام أحمد البشير، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، بيروت، ط١، سنة ١٤١٠ هـ ١٩٨٩ م
(٦) الرسالة: ص ٣٧٠ـ٣٧١، للإمام الشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>