للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتمثل هذه القاعدة في أن أخلاق الراوي تعد عاملًا هامًّا في الحكم على روايته، وقد أفاد المسلمون إفادة عظيمة من هذه القاعدة وطبقوها على رواة الأحاديث النبوية، وقد كان تطبيق هذا المنهج النقدي على رواة الأحاديث هو الذي تطورت عنه بالتدريج قواعد النقد التاريخي (١) .

إن الجهود التي بذلها العلماء للعناية بالحديث إنما كانت امتدادًا لجهود الصحابة رضوان الله عليهم في توثيق السنة والعناية بها، وحفظها من كل شائبة.

فقد تلقى الصحابة الكرام السنة على أساس أنها جزء من الدين الذي يدينون به، ففي القرآن الكريم الحث على طاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتحذير من مخالفته، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (٢) .

وقد أحَسَّ الصحابة بالحاجة الملحة إلى أخذ السنة والعناية بحملها وصيانتها وحفظها وتسليمها إلى من بعدهم من الأجيال، وحرصوا على عدم الغلط في الأخذ، وفي الأداء، لأنهم أدركوا خطورة الزيادة أو النقصان على حديث رسول الله القائل: ((من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده في النار)) (٣) لهذا جدوا غاية الجد وأخذوا بكافة الوسائل التي تحقق لهم أخذ السنَّة أخذًا صحيحًا، وأداءها أداء سليمًا، لا تبديل فيه ولا تغيير، ولا زيادة فيه ولا نقصان. ومن هذه الوسائل.

١- الحرص على سماع الحديث.

٢- التثبت في الرواية أخذا أو أداء:

وكانت لهم وسائل متعددة في التثبت من الرواية من أهمها:

(أ) المقارنة: فلقد كان أبو بكر أول من احتاط في قبول الأخبار، وخير شاهد على ذلك ميراث الجدة، وتثبته في قبول الخبر الذي ورد بشأنها (٤) , وسن عمر للمحدثين التثبت في النقل (٥) .

(ب) طلب إعادة الحديث مع الفاصل الزمني.

(ج) الرجوع إلى مصدر غائب: روى نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ((من تبع جنازة فله قيراط من الأجر)) فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة، فبعث إلى عائشة فسألها، فصدقت أبا هريرة. فقال ابن عمر: (لقد فرطنا في قراريط كثيرة) (٦) .


(١) د. محمد إقبال: تجديد التفكير الديني في الإسلام: ص ١٦٠ وما بعدها
(٢) سورة النساء: الآية ٨٠
(٣) متفق عليه، البخاري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ١/ ٣٥ ـ ٣٦؛ ومسلم، المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ١/ ١٠
(٤) تذكرة الحفاظ: ١ /٢
(٥) تذكرة الحفاظ: ١ /٢
(٦) متفق عليه، أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل الجنائز: ٢/ ٨٩؛ ومسلم واللفظ له، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها: ١/ ٦٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>