للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل في بعض ذلك رد على (جولدتسيهر) و (ماكدونالد) وأمثالهما من الحاقدين على الإسلام الراغبين في تشويه مصدريه الأساسيين القرآن الكريم والسنة النبوبة المشرفة، وصفوة القول: إن الأحاديث النبوية لم يتجه إلى دراستها إلا عدد قليل جدًّا من المستشرقين والذين كان لهم نتائج في هذا الميدان لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، ومع ذلك فإن بحوثهم لم تكن ناضجة، ومناهج بحثهم لم تكن علمية، ويمثل ذروة هذه الدراسة كتابات (شاخت) التي أصبحت من المصادر الأساسية لكتّاب الغرب بل ولكثيرين من كتاب الشرق أيضًا. وهؤلاء قاموا بأخطر دور في تاريخ البحث العلمي فيما يتعلق بالحديث النبوي وما يتصل به من موضوعات ومن ثم وجهت سهام الطعن إلى السنة النبوية من قبل مختلف الأشخاص ومن الزوايا المتعددة , وتناول كل فريق منهم جانبًا من جوانبها المختلفة ويمكن إجمال ذلك في النقاط التالية:

١- فمنهم من فسر السنة بمعنى (الأمر المجتمع عليه في الأوساط العلمية) وأنه ليس معناها سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

٢- ومنهم من طعن في حجية السنة النبوية وقيمتها التشريعية.

٣- ومنهم من ادعى أن الأحاديث النبوية لا يمكن الاعتماد عليها، لأن كتابتها تأخرت إلى قرن أو قرون، وربما تكون الذاكرة قد ضعفت في نقلها الأحاديث، وقصرت في الحفاظ عليها خلال هذه الفترة الطويلة.

٤- ومن المستشرقين من شك في الأسانيد وقيمتها العلمية, ومنهم من أثار غير ما ذكرنا من الشبهات والأوهام (١) .

ولقد تجمع جل هذه الأفكار فتجسدت في كتابات (شاخت) الذي اكتشف بعد بحث مضن أنه ليس هناك حديث واحد صحيح وخاصة الأحاديث الفقهية وأنها في الواقع ـ على حد زعمه ـ كلام علماء المسلمين من القرن الثاني والثالث الهجريين وأقاويلهم وضعت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم زورًا وبهتانًا. ونظرًا لما أثير حول السنة النبوية من اعتراضات، وما بذر في طريقها من تشكيكات، أصبح البحث في الأحاديث النبوية ودواوينها أمرًا لازمًا وواجبًا محتمًا، لأن الإسلام وحضارته ومستقبله يقوم على هذا الأساس.

ونود أن نشير هنا إلى أننا لا ننكر وجود كثير من الأحاديث الموضوعة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لم يكن في يوم من الأيام خافيًا على علماء المسلمين في مختلف العصور ولكن الأمر الذي لا شك فيه أيضًا أن علماء المسلمين الذين اهتموا بجمع الحديث النبوي ولم يفرطوا فيه إطلاقًا , في ضرورة التدقيق الذي لاحد له في رواية الحقائق، فقد وضع القرآن أمامهم أهم قاعدة من قواعد النقد التاريخي، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (٢) .


(١) راجع: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه. ج١ ص (ل) ، د. محمد مصطفي الأعظمي، المكتب الإسلامي، سنة ١٤٠٥ هـ ١٩٨٥ م
(٢) سورة الحجرات: الآية ٦

<<  <  ج: ص:  >  >>