للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الكتب التي تحمل الفكر (العلمانى) فالهدف من ترجمتها يوضحه (أ. شاتيليه) في مقدمة كتاب (الغارة على العالم الإسلامي) بقوله:

(ولا شك في أن إرساليات التبشير من بروتستانتية وكاثولوكية، تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية في قلوب منتحليها، ولم يتم لها ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية، فبنشرها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يحتك الإسلام بصحف أوروبا، وتمهد السبيل لتقدم إسلامي مادي وتقضي إرساليات التبشير لبناتها من هدم الفكرة الدينية التي لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها) (١) .

أما الصحافة فشأنها أعظم في نشر الغزو الفكري، فقد استغل المبشرون الصحافة في كثير من بلاد المسلمين، وعلى الأخص في مصر، حيث قامت الصحافة بدور من أخطر الأدوار في حملة (التغريب) فإن مصر في نظر المخططين هي مركز التوجيه الروحي والثقافي بسبب موقعها الجغرافي ومكانتها التاريخية، وبسبب وجود الأزهر فيها.. فإذا أمكن إفسادها من الناحية الإسلامية كان ذلك عونًا كبيرًا للذين يخططون لإفساد العالم الإسلامي كله؛ لأن الفساد سيصدر يومئذ وعليه خاتم القاهرة، فيكون أفعل في الإفساد مما لو جاء وعليه خاتم لندن أو باريس (٢) .

يقول المستشرق الإنجليزى المشهور (جب) في كتابه (وجهة الإسلام) متحدثًا عن أهمية الصحافه في مجال الغزو الفكري (٣) : (والواقع أن المدارس والمعاهد العلمية لا تكفي، فليست هي في حقيقة الأمر إلا الخطوة الأولى في الطريق، لأنها لا تغنى شيئًا في قيادة الاتجاهات السياسية والإدارية) .

وللوصول إلى هذا التطور الأبعد ـ الذي بدونه تظل الأشكال الخارجية مجرد مظاهر سطحية ـ يجب ألا ينحصر الأمر في الاعتماد على التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية، بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفًا إلى خلق رأي عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة. ويقرر (جب) : (أن الصحافة هي أقوى الأدوات الأوروبية وأعظمها نفوذًا في العالم الإسلامي) . كما يقرر (أن مديري الصحف اليومية ينتمون في معظمهم إلى التقدميين) ولذلك كان معظم هذه الصحف واقعًا تحت تأثير الأراء والأساليب الغربية.

ويستعرض الكاتب بعد ذلك صحافة العالم الإسلامي مشيرًا إلى ما بينها من فروق فيقول: (إن الصحافة التركية هي بطبيعة الحال وطنية لا دينية، وهي لا تجرؤ على أن تكون دينية، لأنها مراقبة من الحكومة مراقبه شديدة، أما الصحافة المصرية فهي على العكس من اتجاه الأول ـ الثورى ـ تتطور في بطء وتعرض طائفة من الآراء الجديدة، وهي على كل حال لا دينية في اتجاهتها.


(١) راجع هذه المقدمة في كتاب الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محيي الدين الخطيب
(٢) واقعنا المعاصر: ص ٢٣٩
(٣) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر: ص ٢٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>