للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه من أخبث حيل التشويه في فكر المسلمين وقيمهم، فإذا كانت المدارس تضم ملايين، فإن الإذاعة والتلفاز تتعامل يوميًّا مع ملايين أكثر عددًا، وأقل حصانة، وإذا كانت الدول الإسلامية تستطيع فرض رقابة على مدارسها وجامعاتها، إلا أنها لا تستطيع أن تفرض سلطتها على البرامج الإذاعية التي تبث من عواصم دول أجنبية، كما لا تستطيع أن تحكم في الأفلام السينمائية وأفلام الفيديو، وإن كثيرًا من الأفلام والشرائط تهرب بطرق بعيدة عن رقابة الدولة.

والعالم اليوم أصبح أشبه بقرية صغيرة، وزالت الحدود والحواجز أمام أجهزة الإعلام المتطورة في هذا العصر.

وإن كثيرًا من الإذاعات المسموعة والمرئية داخل الأقطار الإسلامية وخارجها إنما تجرى على سياسة إشباع الشهوات، لا التوجيه والإرشاد، والإرشاد كثيرًا من برامجها يفسد ولا يصلح، فقصصها المسلسلة مثار للفزع الذي يقلق النفوس ويسقم الناشئة ويجنح بطبائعهم إلى الانحراف.

وقد يكون تأثير مثل هذه البرامج والمسلسلات الملفقة والحوادث المصنوعة ضعيفًا على كبار النفوس وناضجى العقول من ذوى التجربة والمثقفين، لأنهم لا يندمجون فيما يسمعون، فهم دائمًا على ذكر من أن الذي يسمعونه هو مجرد أوهام لا تمت للواقع بصلة، ولكن الشباب والأطفال وضعاف العقول لا يفرقون بين ما يسمعونه في الإذاعة وبين ما يشاهدونه في الحياة, ولا يميزون بين القصة التي يشاهدونها على لوحة الخيال وبين واقع الأمر في الحياة, فهم يندمجون اندماجًا كاملًا فيما يرون وما يسمعون من ذلك كله. فتجذبهم الأحداث إلى الهياج تارة وإلى البكاء تارة أخرى، وتنطبع آثارها في نفوسهم فتصبح جزءًا أصيلًا من مشاهداتهم وتجاربهم، بل إنها تصبح أجمل من كل ما شاهدوا وما جربوا لما يحيطها من عوامل الإغراء والإقناع والتأثير التي افتن فيها مخرجوها وبلغوا في ذلك أقصى الطاقة والجهد (١) , والهدف من القصص والمسرحيات التي تنشر من خلال وسائل الإعلام ـ هو تحطيم القيم الإسلامية التي تمنع الاختلاط وتنفر من الفاحشة والتحلل الخلقي.. فقد كانت هذه القيم مع ضعفها في حياة المسلمين ٠ عقبة ضخمة في سبيل الإفساد الخلقي الهائل الذي تهدف الصليبية إلى إحداثه في المجتمع الإسلامي.

وكذلك من وسائل الإعلام المدمرة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى لغات المسلمين , فترجمت كثير من كتب القصص الغرامي والفن، وقد كان الفن الذي يترجم هو الفن الذي تخلص تمامًا من القيم الدينية، وراح يدعو إلى إقامة مجتمع حر (طليق) من تلك القيم، مجتمع يهبط تدريجيًّا حتى يصبح مجتمعًا حيوانيًّا في النهاية، ولم تكن هذه النهاية واضحة في القرن الماضي كما هي واضحة اليو لكل ذى حس سليم، وقد كان هناك تشجيع خفي لنشر هذا الفن وترويجه بين الشباب خاصة. الهدف من ذلك واضح (٢) .


(١) حصوننا مهددة من داخلها، د. محمد محمد حسين، الطبعة الخامسة، المكتب الإسلامي
(٢) واقعنا المعاصر: ص ١٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>