للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذا هو التفسير؟! أو هذا هو التدبير؟!

أين كانت مراكز القوة يوم قامت الدولة الإسلامية أول مرة، سواء القوة الحربية أو السياسية أو الاقتصادية؟! ألم تكن كلها في يد فارس والروم؟

فما الذي حدث في التاريخ؟

لقد خرجت الأمة المؤمنة تنشر الإسلام في الأرض فأزالت قوى الباطل ودكتها دكًّا، وأقامت في مكانها دولة الإسلام، واستولت هي على مراكز القوة فأصبحت أكبر قوة في الأرض، وشملت قوتها كل جانب، فصارت في يدها القوة الحربية والسياسية والاقتصادية، وكان ذلك كله تحقيقًا لوعد الله للمؤمنين من هذه الأمة في قوله الكريم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (١)

فما الذي غير الحال بعد ذلك، وسلب مراكز القوة من يد المسلمين؟

ربما يقال: ضعفت قوتهم الحربية بينما ازدادت قوة أعدائهم فتغلبوا عليهم. فنقول: نعم، تلك هي الأسباب الظاهرة، ولا شك، ولكن قراءة التاريخ بالأسباب الظاهرة وحدها لا تؤدى إلى الحقيقة، بل قد تضلل عن الحقيقة ... يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٢) . {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (٣) .

والذي يشغل النفوس المؤمنة هو الأيمان.. والذي يتغير في النفوس هو حقيقة الإيمان.

فحين تكون الأمة (متقدمة) في الإيمان، يتحقق لها وعد الله بالاستخلاف والتمكين والتأمين، وحين تكون (متخلفة) يحدث تغيير النعمة (أي سلبها) ويذهب عن الأمة الاستخلاف والتمكين والتأمين.

فسلب التجارة من يد المسلمين، واستيلاء أوروبا الصليبية عليها، له أسبابه الكامنة في التخلف العقيدي الذي أصاب الأمة في مجموعها، والتقلص والضمور التي ترتب عليه في كل اتجاه.

فتضاؤل القوة الحربية الذي مكن الأعداء من أجزاء متزايدة من العالم الإسلامي هو ذاته، أثر من أثار التخلف العقيدي.

ولكن آثار التخلف العقيدي في الميدان الاقتصادي الخاص لا تحتاج إلى تأكيد.


(١) سورة النور: الآية ٥٥
(٢) سورة الرعد: الآية ١١
(٣) سورة الأنفال: الآية ٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>