للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا سلمنا بأن التجارة الخارجية قد سلبت من أيدي المسلمين لسبب قاهر لا يقدرون على رده، فهل تتوقف ثروة العالم الإسلامي على التجارة وحدها في ذلك الحين أو في أي حين؟

إنَّ بلاد المسلمين من أقصاها إلى أقصاها هي ـ بقدر من الله ـ أغنى بقعة في الأرض، وأكثرها خيرات، وقد كانت ـ وما تزال حتى هذه اللحظة ـ لم تستثمر الاستثمار الكامل، الذي يستغل كل مواردها.

والسبب في عدم الاستعمار هذه الثروات هو التقاعس، والتواكل، والضعف العلمي، ووهن العزم، والانصراف عن عمارة الأرض، والرضى بالفقر على أنه من قدر الله لا ينبغي السعي إلى تغييره خوفًا من الوقوع في خطيئة التمرد على قدر الله.

إن الأمة غير الإسلامية يمكن أن تنال القوة والتمكين في الأرض بالبعد عن الله, بل كلما زادت بعدًا عن الله زادت في القوة والتمكين.. كما هو الحال أوروبا الكافرة الجاحدة اليوم، لأن هذا من السنن الربانية في معاملة الكفار: قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (١) لفترة من الزمن يقدرها الله.. ثم يأتى التدمير:

{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (٢) .

أما أمة الإسلام فإنها تعامل بسنة خاصة.. لا يمكَّنوا إلا على الإيمان، فإذا انحرفوا زال عنهم التمكين، ذلك لأن الله لا يريد لهم أن يفتنوا بالتمكين وهم منحرفون عن طريقه، فيزيدوا انحرافا حتى يصلوا إلى الكفر فتأخذهم سنة الكافرين: قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٣) .

فمن رحمته سبحانه بهذه الأمة أنه لا يمكنها أبدًا وهي منحرفة عن السبيل لكي تعود إليه، فيمكنها وهو راض عنها، ويدخر لها في الآخر ما يدخره لعباده الصالحين (٤) .


(١) سورة الأنعام: الآية٤٤
(٢) سورة الأنعام: الآية ٤٤، ٤٥
(٣) سورة هود عليه السلام: الآيتان ١٥ ـ ١٦
(٤) واقعنا المعاصر: ص ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>