للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ل) أما التناقض من جهة المعاني فيقدم لنا الأستاذ العقاد نماذج منها ويرد عليها نكتفي ببعضها يقول: (قرأنا لبعضهم أخيرًا كتابًا عن الشيطان يلم فيه بصفة إبليس في الإسلام ويستغرب فيه من هذا الدين أن يقول عن الله إنه أمر الملائكة بالسجود لآدم، مع انه الدين الذي اشتهر بغاية التشدد في إنكار الشرك وتكفير كل ساجد لغير الله، ومرد الخطأ فيما بدر إلى الكاتب من التناقض بين التوحيد وبين السجود لآدم أنه فهم السجود بمعنى الصلاة دون غيرها من معاني الكلمة في اللغة العربية، وفاته أن الكلمة عرفت في اللغة العربية قبل أن يعرف العرب صلاة الإسلام، ولم يفهموا منها أنها كلمة، تنصرف إلى العبادة دون غيرها، لأنهم يقولون: سجدت عينه أي أغضت، وأسجد عينه أي غض منها، وسجدت النخلة أي مالت، وسجد أي غض رأسه بالتحية وسجد لعظيم أي وقره وخشع بين يديه، ولا تناقض على معنى من هذه المعاني بين السجود لآدم وتوحيد الله، وإنما السجود هنا هو التعظيم المستفاد من القصة كلها، وهو تعظيم الإنسان على غيره من المخلوقات، وبعضهم يرى أن الإسلام مناقض بطبيعته للعمل والسعي في سبيل الحياة لأنه يفهم من الإسلام أنه التواكل وتسليم الأمر إلى الله بغير حاجة إلى الحول والقوة لأنه لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، وجهل هؤلاء بالفهم أكبر من جهلهم باللغة لأن الإسلام إلى الله وحده وتحريم الإسلام لغيره يأتي على المسلم أن يسلم للظلم أو يسلم للتحكم من الناس أو من صروف الحياة، وينهاه أن يستسلم للخيبة وللقسمة الجائرة، وأن يستسلم لكل قضاء لا يرضاه، ويعلم أن الله لا يرضاه، وبعضهم يرى أن الإسلام والسلم نقيضان لأنه يفهم من كلمة أسلم أنها التسليم في الحرب أو التسليم قبل الحرب خوفًا من القتال، فكل مسلم فهو خاضع للسيف هزيمة بعد الحرب أو خوفًا من الحرب قبل إشهارها عليه، وهؤلاء الذين يتحذلقون على اللغة العربية التي يجهلونها يفوتهم أن كلمة أسلم في ميدان الحرب هي نفسها مأخوذة من إعطاء اليد أو بسطها للمصافحة، وأن المقصود بهذه الكلمة في الدين أنها استقبال الله والاتجاه إليه، فمن أسلم وجهه لله فقد استقبل طريقه وأعطاه وجهه ولم يتحول عنه إلى غيره ... ) وهكذا نجد الأستاذ العقاد يعزو ما فهمه أعداء الإسلام على أنه تناقض فيه إلى خلل في أنفسهم راجع إلى سوء فهمهم للإسلام وللغة العربية يقول: (ويندر أن نقرأ في كلام ناقد من الأجانب عن اللغة العربية شيئًا من مآخذ التناقض في الإسلام إلاَّ بدا لك بعد قليل أنه مخطئ، وأن مرد الخطأ عنده إلى جهل الإسلام أو جهل اللغة العربية، وبعضهم يجهلها وهو من المستشرقين لأنه يستظهر ألفاظها ولا يتذوقها، ولا ينفذ إلى لبابها من وراء نصوص القواعد والتراكيب.. وأكثر ما اطلعنا عليه من النقائص المزعومة فهو من قبيل هذه الأخطاء في التفرقة بين الكلمات على معانيها المطلقة وبين هذه الألفاظ على معانيها التي قيدها الاصطلاح أو خصصتها لغة القرآن الكريم، وفيما عدا هذه النقائص وما إليها يروع الباحث في الإسلام ذلك التناسق بين عقائده وأحكامه وأخلاقه) (١) .

وهذا الذي نبه إليه الأستاذ العقاد ذكرته مستشرقة إنجليزية واعترفت به على إخوانها من المستشرقين والمبشرين، وهذا أبلغ رد على هؤلاء الجاهلين الحاقدين تقول المستشرقة تشاريس وادي: (إن الغربيين لم يعرفوا الإسلام إلاَّ من الغربيين ولم يعرفوه من اهله، ولا من مصادره، فهم عرفوه من أعدائه، ولو أن هؤلاء حذقوا اللغة العربية وتذوقوا بلاغة القرآن لأدركوا إعجازه وأنه تنزيل من حكيم حميد) (٢) .

وبهذا بطلت دعوى هؤلاء الأعداء بتناقض آيات القرآن وألفاظه أو معانيه، وبقي القرآن، وسيبقى إلى قيام الساعة في قمة العظمة من البلاغة والفصاحة والاتساق والانسجام محفوظًا بعناية الله لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد وكيف لا وهو تنزيل الحكيم الحميد سبحانه وتعالى.


(١) حقائق الإسلام: ص ٢٧٦ـ٢٧٨ بتصرف واختصار
(٢) رد مفتريات على الإسلام: ص ١٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>