للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ى) قالوا: إن الآية {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}

(١) .

تتناقض مع الآية {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (٢) .

حيث الآية الأولى تأمره بترك الكافرين والمنافقين، والثانية تأمره بقتالهم وعدم تركهم، وهذا غير صحيح لأن الآية الأولى أمر بترك الأذى لا بترك الجهاد، والأذى منه ما هو قولي وما هو فعلى ثم جاءت الآية الأخرى لتؤكد على الجهاد ومهما كان عدد المسلمين قليلًا فالفرد منهم بعد التخفيف من الله بفردين والجهاد من صميم التوكل على الله. فلا تناقض كما رأينا.

(ك) قالوا: إن الآية {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (٣) .

تناقض الآية {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (٤) .

فالآية الأولى ذكرت أنه ليس على الرسول إلاَّ البلاغ، والآية الثانية أمرته بقتال المنافقين وجهادهم. هكذا يقولون فهل هذا صحيح؟ كلا، فالآية الأولى تتحدث عن أهل الكتاب والمشركين، والثانية تتحدث عن المنافقين، والأولى تبين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس مسؤولًا إلاَّ عن التبليغ حتى لا يحزن عليهم، أما الثانية فتبين وجوب قتالهم وعدم الحزن عليهم لأنهم قد أبلغوا وأساءوا إلى أنفسهم وإلى المؤمنين فلا تجوز مصادقتهم ولا السكوت عنهم ولا الحزن عليهم، فأين التناقض؟.

وهكذا قدموا نماذج أخرى من هذه الأمثلة التي تدل كما رأينا على أحد أمرين، إما جهل باللغة العربية وبلاغتها ودلالات ألفاظها وطرق أساليبها ولذلك لم يفهموا فحكموا بالتناقض بين غير المتناقضين، وإما أنهم يفهمون ولكن حقدهم أعمى عيونهم وبصائرهم حتى قالوه ما قالوه.


(١) سورة الأحزاب: الآية ٤٨.
(٢) سورة الأنفال: الآية ٦٦
(٣) سورة آل عمران: الآية ٢٠
(٤) سورة النساء: الآية ٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>