للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسًا ـ إدعاء التناقض في القرآن:

أدعى أعداء الإسلام والقرآن أن القرآن يتناقض بعضه بعضًا، أحيانًا في اللفظ وأحيانًا في المعنى، وساقوا لذلك عددًا من الآيات الكريمة لا تناقض بينها في شيء ـ كما سنرى ـ إلاَّ في فهمهم البليد، أو سبب حقدهم البغيض، وقد ذكرنا في الفصل الثاني نماذج من هذه الدعوى وسنناقشها في هذه الفقرة لنبيين بطلانها، وقبل هذه المناقشة نذكر بما سبق أن قدمناه من الحقائق التي تؤكد عدم وجود أي ثغرة للتناقض في القرآن الكريم.

١- فهو ـ كما عرفنا ـ من وحي الله تعالى والتناقض مستحيل عليه عز وجل.

٢- وهو معجز والإعجاز قمة الأداء فإذا دخله التناقض لم يكن كذلك.

٣- وهو محفوظ بعناية الله تعالى في صدور عبادة وسطور مصاحفهم، فكيف يقع التناقض فيه وهو من مظاهر الخلل لا الحفظ.

٤- وهو الذي أثبت الله له الإحكام ونفي عنه الباطل فكيف يقع التناقض فيه؟

بعد هذه الحقائق الثابتة الكافية في إبطال هذه الدعوى نسوق الآيات التي إستشهدوا بها لنبين سوء فهمهم وجهلهم وحقدهم البغيض للقرآن.

(أ) قالوا إن الآية: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (١) .

تتناقض مع الآية {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (٢) .

وذلك الذي زعموا لأنهم فهموا أن الآية الأولى تنفي التبديل في القرآن والآية الثانية تثبته، وهكذا فهموا فهل هذا فهم صحيح؟ كلا لأن الآية الأولى تنفي أن يقوم رسول الله ** بتبديل شيء من القرآن تلبيه لطلب المشركين لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له من أمر القرآن شيء فهو لا يستطيع أن يغير أو يبدل فيه شيئا وإلاَّ تعرض للعذاب العظيم، والآية الثانية تؤكد هذا المعنى لأنها نسبت التبديل إلى الله تعالى وحده، وهذا ينفي إمكانية ذلك لغير الله تعالى فمضمون الآيتين واحد وهو أن المبدل هو الله وليس محمدًا، أما التناقض الحقيقي فهو في موقف المشركين الذين كانوا يطالبون الرسول بالتبديل والتغيير، فإذا وقع من الله تعالى تبديل عابوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتهموه بالكذب والافتراء، وما أشبه تناقض اليهود والنصارى يتناقض المشركين فكلهم يقولون على الله ورسوله وكتابه ما لا يعلمون.


(١) سورة يونس: الآية ١٥
(٢) سورة النحل: الآية ١٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>