للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الأستاذ مالك بن نبي: (ولقد أمتاز القرآن الكريم بميزة فريدة هي أنه تنقل منذ أربعه عشر قرنًا دون أن يتعرض لأدنى تحريف أو ريب، وليست هذه حال العهد القديم ((التوراة)) الذي لم تعترف له بالصحة الدراسة النقدية للشراح المحدثين فيما عدا واحدًا من كتبه هو كتاب (أرمياء) وليس العهد الجديد (الإنجيل) بأسعد حالًا فقد ألغى مجمع أساقفة (نيقيه) كثيرًا من أخباره مما زرع الشك حول ما تبقى منه وهو (الإنجيل) وهذه الأخيرة بدورهما لا تعتبر الآن من الصحاح لأن النقد أثبت أنها قد وضعت بعد المسيح بأكثر من قرن أي بعد عصر الحواريين الذين تنسب إليهم تعاليم المسيحية، وعلى هذا فإن شكوكًا كثيرة تحوم حول القضية التاريخية للوثائق اليهودية والمسيحية)

(١) .

ثم يقول: (هذا التحديد الكامل للنص القرآني على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفسه يعد ظاهرة جديرة بالملاحظة من وجهة علم الاجتماع وعلم النفس بخصوص الوسط العربي في العصر المحمدي، فتلك نقطة جوهرية تستحق البحث والوقوف أمامها، إذ ليست هناك مشكله تدوين بالنسبة للقرآن كما هو الأمر بالنسبة للكتاب المقدس وهي أيضا مؤيده بحقائق التاريخ التي ينبغي أن تلفت إليها انتباه القارئ ليلاحظ هو أيضا توافق واقع التاريخ مع هذه الآية: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، ومع ذلك فإن لهذا لحفظ تاريخه، فكلما كان الوحي يتنزل كانت آيات القرآن تثبت في ذاكرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته، وتسجل فورًا بأيدي أمناء الوحي حيث كانوا يستخدمون من أجل ذلك كل ما يصلح للكتابة كعظام الكتف أو قطع الجلد، حتى إذ قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان القرآن محفوظًا في الصدور مدونا في الصحف، فكان من الممكن كلما دعت الحاجة إلى مقارنة الآيات بعضها ببعض، ولا سيما حين يعرض اختلاف من نوع صوتي أو لهجى، وفضلًا عن ذلك فسنجد أن هذه المقارنة تحد مرتين، والطريقة التي نفذت بها هي ذاتها حدث فذ في تاريخ الصناعة العقلية الإنسانية، فللمرة الأولى تتجلى الصفات الطريقة المنهجية في عمل عقلي، كما تتجلى الدقة التي هي الآن وقف على التفكير العلمي ... وبهذا يكون القرآن الكريم هو الكتاب الديني الوحيد الذي يتمتع بامتياز الصحة التي لا جدل فيها بحيث لم يثر النقد أية مشكله حوله سواء أكان ذلك من حيث الشكل أم الموضوع (٢) . فمن أين يجئ التحريف والتبديل؟ وكيف يقع بعد كل هذه الإجراءات الربانيه والنبوية والصحابيه والإسلامية؟ أليس ذلك كمل رأينا مستحيلًا؟ وهذا ما جعل المستشرق الفرنى الأستاذ دمومبين يقول في كتابه عن الإسلام: (إن المصنف لا مناص له من أن يقر بأن القرآن الحاضر هو القرآن الذي كان يتلوه محمد) (٣) .


(١) الظاهري القرآنية: ص ١١١ـ ١١٢؛ انظر أيضا: الإسلام في مواجهة الاستشراق ص ٢٧٣ ـ ٢٧٦
(٢) الظاهرة القرآنية: ص ١١٣ـ١١٤ بإختصار
(٣) القرآن والنبي: ص ٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>