للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ـ جمع القرآن الحكيم بعد وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرتين: المرة الأولى في خلافه أبى بكر بمشورة عمر رضى الله عنهما بعد موقعة اليمامة، وكان هذا الجمع بإشراف كاتب الوحي زيد بن ثابت رضى الله عنه وكان عبارة عن ترتيب الصحف المتفرقة من جلد وحجارة وعظام بناء على المحفوظ في الصدور بحيث يضمها رباط واحد بدل بعثرتها وتفرقها، وكان ذلك خوفًا من مرور الوقت بعد وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاة الصحابة القراء الحافظين فيختلف الترتيب فيما بعد عما نزل وحفظ فجمعه أبو بكر في إطار واحد وأجمع عليه الصحابة وحفظ ذلك المصحف المجموع المرتب عند أبى بكر ثم عمر ثم حفصة رضوان الله عليهم أجمعين، أما المرة الثانية فكانت في خلافة عثمان رضى الله عنه حين بلغه أن خلافات قد بدأت تظهر في قراءة القرآن نتيجة كثرة الفتوحات ودخول أجناس جديدة بلغاتهم في الإسلام فكان لا بد من حسم الأمر وقطع دابر الاختلاف مهما كان ولو صغيرًا، وقام عثمان بتشكيل لجنة بقيادة زيد بن ثابت رضى الله عنه أيضا لكتابه القرآن من مصحف أبى بكر بلغه واحدة هي لغة قريش، وقد تم ذلك ونسخ منه عدة نسخ وزعت على جميع العواصم في الأمصار الإسلامية لتكون المرجع الذي يعتمد عليه ويرجع إليه، وبذلك تم قتل الفتنه منذ ولادتها والحمد لله

(١) ومن يومها والأمة الإسلامية تتلقى القرآن الكريم بهذا لرسم العثماني بالتواتر المنقطع النظير حتى يومنا هذا، ولم يتح ذلك لغير القرآن الكريم فهو أصدق وثيقة على الإطلاق بالدنيا، وقد حاول بعض الأعداء تغيير بعض الآيات والكلمات ففضحهم الله تعالى أكثر من مرة وبقى القرآن بحمد الله تعالى وحفظه كما نزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ تطبيقًا وتحقيقًا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}

فأين ذلك التغيير الذي تدعون؟ وأين التحريف الذي تزعمون؟ وقد شهد بذلك بعض المنصفين من غير المسلمين يقول لوبلو: (إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر) ، وكان ((موير)) قد أعلن ذلك قبله إذ قال: (إن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد إلى يد حتى وصل إلينا بدون أي تحريف قد حفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر، بل يستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم يعد أكبر حجه ودليل على صحة النص المنزل الموجود معنا والذي يرجع إلى الخليفة المنكوب عثمان الذي مات مقتولًا) (٢)


(١) مدخل إلى القرآن الكريم: ص ٤٠
(٢) انظر: مدخل القرآن الكريم: ص ٣٦ـ٣٨، انظر: تفسير ابن عطية: ١/٥٠ـ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>