للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ـ ينفي القرآن الكريم أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له أي تدخل في نزول القرآن الكريم بحروفه وكلماته ومعانيه، وأنه مجرد حافظ ومبلغ، ثم مفسر ومبين، قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (١) .

وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}

(٢) .

إلى غير ذلك من الآيات التي تنفي بقطع ووضوح أي تدخل من سول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آيات القرآن فمن الذي بدل إذن؟

٣ـ عرفنا من الفقرة السابقة ـ الأولى ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينتظر الوحي ونزوله بالقرآن الكريم فيما يخصه شخصيًا وفيما يخص الأمة وفيما يخص الرسالة وفي اتخاذ القرارات، وفي إجابات الأسئلة التي توجه إليه، ورغم الحرج الذي كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعرض له سواء فيما يخصه شخصيًا أو فيما يخص الناس، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينتظر بفارغ الصبر نزول الوحي بالقرآن الكريم، فلو كان يمكنه التحريف أو التبديل أو الزيادة أو النقصان لفعل ذلك خصوصًا في أوقات الشدة أو فيما يخصه ويخص بيته كحديث الإفك، ولكان يغير ما يسمه شخصيًا بالعتاب والمؤاخذة كسورة عبس أو سورة براءة وموافقة من بعض المنافقين أو موضوع أسرى بدر أو خلافاته مع زوجاته ... إلى غير ذلك.

٤ـ إن الله تعالى تولى بنفسه حفظ القرآن الكريم من أي تغيير أو تحريف أو زيادة أو نقصان، من نزوله إلى قيام الساعة، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٣) .

فلا يمكن أن يصل إليه أي تحريف مهما كان وهذا بخلاف الكتب السابقة التي ألقى الله تعالى مسؤولية حفظها على أهلها فامتدت أيديهم إليها بالتحريف والتغيير، قال ابن عطية في تفسير هذه الآية: (المعنى: لحافظون من أن يبدل أو يغير كما جرى في سائر الكتب المنزلة) ، وفي آخر ورقه من البخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما أن التبديل فيها إنما كان في التأويل، وأما في اللفظ فلا، وظاهر آيات القرآن أنهم بدلوا اللفظ، ووضع اليد على آيه الرجم هو في معنى التبديل الألفاظ (٤) . وقيل: لحافظون باختزانه في صدور الرجال والمعنى متقارب، وقال قتادة هذه الآية نحو قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (٥) . (٦) .

فمن يستطيع أن يغير ما حفظه الله؟ ثم كيفق يحدث ذلك؟ وأين هو؟ وقد عرفنا من الفقرة الأولى أن القرآن وحى في لفظه ونظمه ومعناه وترتيبه فمن عساه يغير حرفًا من ذلك الوحي؟


(١) سورة الحاقة: الآيتان ٤١ـ٤٢
(٢) سورة النساء: الآية ٨٢
(٣) سورة الحجر: الآية ٩
(٤) البخارى، باب المناقب
(٥) سورة فصلت: الآية ٤٢
(٦) تفسير غبن عطية: ٨/٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>