للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ج) أن الله سبحانه وتعالى ـ وهو رب العالمين ومنزل الكتب كلها ـ قد جعل القرآن الكريم ـ وهو وحيه الذي تولى بنفسه حفظه ـ مصدقًا لما سبقه من الكتب ومهيمنًا عليها قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (١) .

فالقرآن الكريم يصدق الكتب السابقة ويؤيدها ويوافقها فيما لم تمتد إليه يد التحريف، كما أنه الحكم على هذه الكتب فيما أصابه التحريف وما لم يصبه لأنه الكتاب الوحيد الذي تولى الله تعالى حفظه فبقى كما أنزله الله، فكيف يكون القرآن حاكمًا عليها وهو مقتبس منها؟

(د) أننا قد عرفنا في الفقرة السابقة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أميًّا ولم يجلس إلى معلم قط، ولم يعرف شيئًا من القراءة والكتابة، ومن باب أولى لم يطلع على الكتب السابقة، وقد بعث في مكة وهي إبان بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ خالية من اليهود والنصارى أو على الأقل من الكثرة التي يمكن أن يكون لها تأثير ما في ثقافته ونشأته، ونحن نعلم أن الاقتباس مرحلة عالية من الفهم والعلم لدى من يقتبس منه، فإذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أميا ولم يلتق بمعلم ولم تكن البيئة يهودية ولا نصرانية فمن أين له حينئذ الاقتباس أو القدرة عليه، قد يقال إن ورقة بن نوافل وبحيرا الراهب قد التقى بهما محمد ولدى كل منهما علم بالكتب السابقة؟ فيجاب عن ذلك بأن التاريخ لم يذكر من اللقاء بينهما وبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا مرة أو مرتين، وكان لقاؤه بالراهب وهو صغير، فهل يعقل لصغير في لقاء واحد أو لقاءين أن يقتبس كل ذلك الذي لا يحصى علمًا وخبرًا وأحكامًا؟ فكيف إذا علمنا أن ما تناقلته كتب التاريخ التي سجلت مادار في هذه اللقاءات لم تشر من قريب أو بعيد إلى شيء مما في التوراة والإنجيل أو القرآن، وكل ذلك مسجل ومحفوظ فمن أين وعلى يد أي معلم تعلم محمد التوراة والإنجيل حتى يقتبس منهما؟ وذلك الرومي الحداد "بلعام" الذي زعم المشركون أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعلم منه، كان أعجميًّا لا يعرف من العربية إلا بضع كلمات، فإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه ـ كما نعلم ـ فكيف يعلم هذا الأعجمي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التوراة والإنجيل أو هما معًا فضلًا عن أن يعلمه هذا الكلام المعجز "القرآن الكريم"؟ وإذا كان "بلعام" معلمًا فلماذا لم يسرعوا إليه ويتعلموا منه كما فعل محمد كما يدعون؟ وإلى هذا الافتراء العجيب يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (٢) .

وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (٣) .


(١) سورة المائدة: الآية ٤٨
(٢) سورة النحل: الآية ١٠٣
(٣) سوة الفرقان الآيات ٤ ـ ٦

<<  <  ج: ص:  >  >>