للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا ـ قولهم: إن معظم القرآن مقتبس من التوراة والإنجيل، فإذا نسخنا منه ما هو مقتبس منهما لم يبق منه ما يستحق الذكر (١)

وهذه دعوى باطلة وغاية في السخف والنكارة والرد عليها من عدة وجوه:

(أ) فالقرآن الكريم لا يشبه التوراة ولا الإنجيل في اللفظ أو الأسلوب أو النظم، فالقرآن كما رأينا في الفقرات السابقة في قمة البلاغة والفصاحة والبيان والإعجاز، أما التوراة والإنجيل ـ بعد تحريفهما ـ ليس في أي منهما شيء من البلاغة ولا الفصاحة ولا البيان، بل إنهما عند الاطلاع على أي منهما يتبين أنهما يقعان في أدنى درجات التعبير والبيان، وفيهما الكثير من الركاكة والألفاظ السوقية حتى ليقلان في أحيان كثيرة عن مستويات التعبير العادية والصحفية.

(ب) أن القرآن الكريم في موضوعاته ومعانيه وما يقدمه من عقائد وعبادات وحلال وحرام وأخلاق ومعاملات يختلف كثيرًا جدًّا عما في التوراة والإنجيل وبخاصة بعد تحريفهما، بل إن فيهما الكثير مما يرفضه القرآن الكريم كما ترفضه العقول السليمة والفطرة الصحيحة، وإذا كان بينهما بعض التشابه في بعض الوصايا والأحكام وأصول العقيدة والشريعة ومكارم الأخلاق، فهذا أمر طبيعي ولازم بين كل الرسالات والكتب السماوية، بل وفي كل المجتمعات المتحضرة؛ لأن المصدر لهذا كله واحد وهو الله تعالى الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب وأودع في كل نفس فطرتها الصحيحة؛ ولأنها جميعًا تهدف إلى غايات واحدة وهي: إصلاح الناس وإسعادهم في الدنيا والآخرة، ولذلك قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (٢) .

فهذا في الأصول، وأما الفروع فإنها مختلفة غالبًا لاختلاف الأحوال والبيئات , ولذلك قال سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} . (٣) .


(١) انظر في هذه الدعوى: إسلام في مواجهة الاستشراق: ص ٥٣٩ ـ ٥٦٥، والفكر الإسلامي الحديث: ص ١٦٨
(٢) سورة الشورى: الآية ١٣
(٣) سورة المائدة: الآية ٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>