للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ح) ومن الأدلة على أن القرآن وحي إلهي لا عمل بشري أنه صحح العقائد الإلهية؛ فقد كانت العقيدة في الله قبل القرآن الكريم يشوبها الكثير من الشرك والانحراف عن التوحيد حتى جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقرآن من عند الله، فأبطل الباطل وأتم الناقص، وأقام المعوج حتى استقامت عقيدة التوحيد كما لم تكن من قبل , وذلك دليل على أن القرآن وحي من عند الله، فلم يكن لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا لغيره لولا الوحي الإلهي أن يقوم بذلك، يقول الأستاذ العقاد رحمه الله: " فالله رب العالمين، مالك يوم الدين، لم يكن نسخة محرفة من صورة الله في عقيدة من العقائد الكتابية، بل كان هو الأصل الذي يثوب إليه من ينحرف عن العقيدة في الإله كأكمل ما كانت عليه وكأكمل ما ينبغي أن يكون، ومن ثم كانت هذه العقيدة الإلهية في الإسلام مصححة متممة لكل عقيدة سبقتها في مذاهب الديانات، أو في مذاهب الفلسفة، ومباحث الربوبية، فهي عقيدة كاملة صححت وتممت عقيدة في الهند في: الكارما والنرفانا (١) لأنها عقيدة في خواء أو فناء مسلوب الذات لا تجاوب بينه وبين أبناء الحياة، وهي عقيدة كاملة صححت وتمممت عقيدة المعلم الأول أرسطو بين فلاسفة الغرب الأقدمين؛ لأنه كان على خطأ في فهم التجريد والتنزيه، ساقه هذا الخطأ إلى القول بكمال مطلق كالعدم المطلق في التجرد من العمل والتجرد من الإرداة، والتجرد من الروح، ودين يصحح العقائد الإلهية ويتممها فيما سبقه من ديانات الأمم وحضارتها ومذاهب فلاسفتها , تراه من أين أتى؟ ومن أي رسول الله مبعثه ومدعاه؟ من صحراء العرب، ومن الرسول الأمي بين الرسل المبعوثين بالكتب والعبادات، إن لم يكن هذا وحيًا من الله فكيف يكون الوحي من الله؟ ليكن كيف كان في أخلاد المؤمنين بالوحي الإلهي حيث كان، فما يهتدي رجل أمي في أكناف الصحراء إلى إيمان بالله أكمل من كل إيمان تقدم إلا أن يكون ذلك وحيًا من الله، وإنه لحجر على البصائر والعقول أن تنكر الوحي على هذه المعجزة العليا؛ لأنه لا يصدق عليها في صورة من صور الحدس والخيال" (٢) .


(١) صورتان من صورة التنزيه للإله عند الهنود القدماء، وهما بالمعاني الذهنية اشبه منهما بالكائنات الحية، وإحداهما ـ وهي النرفانا ـ إلى الفناء أقرب منها إلى البقاء، وانظر حقائق الإسلام وأباطيل خصومه: ص ٤٤
(٢) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه: ص ٥٤ ـ ٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>