للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ز) التحدي القائم إلى يوم القيالمة: فنحن نعلم أن الله تعالى تحدى العرب أن يأتوا بمثل القرآن - إن كان بشريًّا أو كان محمد كاذبًا - فعجزوا، فسهل عليهم الأمر وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا، فسهل عليه الأمر أكثر وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا، فثبت من ذلك أنه ليس من كلام البشر وإلا لاستطاعوا إليه سبيلًا لتوفر كل الأسباب الداعية إلى ذلك عندهم. فعجزهم هذا المطبق دليل على أنه وحي يوحى. يقول الشيخ شاكر: "ظل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة ثلاثة عشر عامًا، والمسلمون قليل مستضعفون في أرض مكة، وظل الوحي يتتابع وهو يتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ثم بعشر سور مثله مفتريات، فلما انقطعت قواهم، قطع الله عليهم وعلى الثقلين جميعًا منافذ اللدود والعناد فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (١) .

وكذلك كان، فكان هذا البلاغ القاطع الذي لا معقب له هو الغاية التي انتهى إليها أمر هذا القرآن، وأمر النزاع فيه، لا بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين قومه من العرب فحسب، بل بينه وبين البشر جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم , لا بل بينه وبين الإنس والجن مجتمعين متظاهرين، وهذا البلاغ الحق الذي لا معقب له من بين يديه ولا من خلفه هو الذي اصطلحنا عليه فيما بعد وسميناه "إعجاز القرآن" (٢) .

وإعجاز القرآن هذا هو دليل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على صدق نبوته، وعلى أنه رسول من الله يوحى إليه هذا القرآن، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعرف إعجاز القرآن من الوجه الذي عرفه منه سائر من آمن به قومه العرب.." إلى أن يقول: "فالقرآن المعجز هو البرهان القاطع على صحة النبوة، وأما النبوة فليست برهانًا على إعجاز القرآن" (٣) .


(١) سورة الإسراء: الآية ٨٨
(٢) مقدمة الظاهرة القرآنية: ص ٢٤؛ وانظر أيضًا النبأ العظيم: ص ٤٤ ـ ٨٨
(٣) مقدمة الظاهرة القرآنية: ص ١٧ ـ ١٨ باختصار

<<  <  ج: ص:  >  >>