إذن تصحيح العقيدة في الله بهذا الشكل التوحيدي النقي الذي صحح أعوجاج العقائد السابقة وأتم نقصانها لا يستطيعه شخص أمي من بيئة صحراوية، ولا عبقري من بيئة حضارية، فلم يكن لهذا ولا ذاك أن يصل إلى هذا الكمال الذي لم يعرف إلا من القرآن إلا عن طريق الوحي الإلهي، فتحصّل من ذلك القرآن الذي صحح هذه العقائد الإلهية لا بد أن يكون وحيًا ويستحيل أن يكون غير ذلك، فالذي جاء به لم يسبق إليه، ولن يلحق فيه، ويضيف الدكتور دراز أن الإسلام والقرآن لم يصححا عقيدة التوحيد فحسب، بل إنه "يشرح حدود الإيمان مفصلة، ويصف لنا بدء الخلق ونهايته، ويصف الجنة وأنواع نعيمها، والنار وألوان عذابها كأنهما رأي عين، حتى إنه ليحصي عدة الأبواب وعدة الملائكة الموكلة بتلك الأبواب.. ثم يخبر عن مستقبل الإسلام في نفسه، وفي شخص كتابه ونبيه، وعن مستقبل حزب الله وحزب الشيطان ... "(١) .
(ط) أمية النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا دليل آخر على القضية التي ننحن بصددها وهي إثبات أن القرآن وحي إلهي لا عمل بشري محمدي. فقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشهادة الجميع أميًّا لا يقرأ ولا يكتب فكيف لأمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة أن يؤلف مثل هذا الصرح العظيم بل أقل منه ملايين الدرجات، هذا فضلًا عما تضمنه القرآن الكريم من تاريخ الماضي السحيق الذي لا يعرفه العلماء المتخصصون، فكيف بالأميين، وكذلك الإخبار عن المستقبل والعلماء لم يستوعبوا الحاضر بعد، وما اشتمل عليه القرآن من حقائق علمية لم يعرفها المتخصصون منذ بضع سنوات وما زال بعضها غير معروف، فكيف بأمي في أمة أمية يعرف ذلك لو لم يكن وحيًا، والمتتبع لمؤتمرات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم يعرف الكثير من ذلك الذي اشار القرآن الكريم إليه منذ نزوله ولم يعرفه العلماء إلا هذه الأيام، وقد اندهش الكثيرون منهم لما وجدوا ذلك في القرآن وآمن بعضهم ولولا الكبر والعناد لآمن الآخرون. وهذا بالإضافة إلى ما في القرآن الكريم من الأحكام التشريعية العظيمة والأخلاق الفاضلة الكريمة، من كل ما يحفظ للإنسانية أمنها وسلامتها وسعادتها، فكيف بمحمد الأمي يعرف كل ذلك لو لم يكن القرآن الكريم وحيًا إلهيًا؟