للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(و) ودليل آخر على أن القرآن وحي من الله تعالى لا صنعة لأحد فيه ذلك الأثر البالغ والتأثير العميق الذي يتركه القرآن الكريم في قلوب كل من يقرأه أو يستمع إليه، والشواهد على ذلك كثيرة في الماضي والحاضر مما يؤكد أن القرآن الكريم كان وما يزال وسيظل وراء إسلام الآلاف والملايين، ولولا العناد والاستكبار لآمن به كل من سمعه ونَقَدَ ما يدعو إليه. لقد بكى النجاشي حين استمع إليه من جعفر بن أبي طالب في أعقاب الهجرة إلى الحبشة، وقال قولته المشهورة: "إن هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مكشاة واحدة"، وكان سببًا في إسلامه فور وصول كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليه (١) .

ولما قرأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعضه على الوليد بن المغيرة ـ وهو الذي جاء لإغراء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببعض المغريات لعله يرجع عن دعوته ـ ارتد إلى قومه وهو يقول: "والله لقد سمعت كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه" وقال عتبة بن ربيعة لقومه بعد أن استمع من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجزء من سورة فصلت: "يا قوم أطيعوني في هذا الأمر اليوم، واعصوني فيما بعد، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلامًا ما سمعت أذناي كلامًا مثله، وما دريت ما أرد عليه" (٢) .

وقال توماس كارليل في كتابه "الأبطال" عن القرآن: "هذا صدى متفجر من قلب الكون نفسه".

يقول مالك بن نبي في تعليقه على ذلك: "وفي هذه الصرخة الفلسفية نجد أكثر من فكرة جافة لمؤرخ، نجد بعض ما يشبه الاعتراف التلقائي لضمير إنساني سامٍ بُهِتَ أمام عظمة الظاهرة القرآنية، وإن العقل الإنساني ليقف فعلًا حائرًا أمام رحابة القرآن وعمقه ... " ويضيف: "إنه لو أتيح لأحد من الناس أن يقرأ القرآن قراءة واعية يدرك خلالها رحابة موضوعه، فلن يمكنه أن يتصور الذات المحمدية إلا مجرد واسطة لعلم غيبي مطلق" (٣) .

وهكذا يكون تأثير القرآن الكريم باعتراف الأعداء دليلًا على أنه وحي وأنه غير بشري.


(١) خاتم النبيين: ١/ ٤٩٦
(٢) خاتم النبيين: ١/ ٤٧٠
(٣) الظاهرة القرآنية: ص ٢٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>