للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(هـ) ودليل آخر على أن القرآن وحي الله لا عمل محمد وذلك هو مضمون الرسالة الذي احتواه القرآن الكريم في وضوح وشمول وإيجاز وإطناب وإجمال وتفصيل، ذلك الشمول التام لمفردات الإسلام وكلياته من عقائد وعبادات وتشريع وأخلاق ومعاملات وقصص وحكم وأمثال وحلال وحرام وترغيب وترهيب وعلوم وتاريخ وأخبار ماضية وحاضرة ومستقبلة، هذا كله وغيره لم يكن لنا أن نعرفه لولا حديث القرآن الكريم عنه ذلك الحديث القديم الجديد الذي لا يشبع منه العلماء ولا تنقضي عجائبه، يقول الأستاذ مالك بن نبي: "إن رحابة الموضوعات القرآنية وتنوعها لَشيء فريد طبقًا لتعبير القرآن نفسه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (١) .

فهو يبدأ حديثه من ذرة الوجود المستودعة باطن الصخر والمستقرة في أعماق البحار ـ كقوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} (٢) إلى النجم الذي يسبح في فلكه نحو مستقره المعلوم كقوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (٣) .

وهو يتقصى أبعد الجوانب المظلمة في القلب الإنساني فيتغلغل في نفس المؤمن والكافر بنظرة تلمس أدق الانفعالات في هذه النفس وهو يتجه نحو ماضي الإنسانية البعيد، ونحو مستقبلها، كما يعلمها واجبات الحياة، وهو يرسم لوحة أخاذة لمشهد الحضارات المتتابع ثم يدعونا إلى أن نتأمله من عواقبه عظة واعتبارًا، وإن درسه الأخلاقي لهو ثمرة نظرة نفسية متعمقة في الطبيعة البشرية تصف لنا النقائص التي ينهى عنها وينفر منها، والفضائل التي يدعو إلى التأسي بها من خلال حياة الأنبياء، أولئك الأبطال والشهداء في سجل ملحمة السماء، وعلى هذا الأساس يدفع القرآن المؤمن إلى الندم الصادق حين يعده بالغفران، أساس التربية الجزائية في الأديان السماوية ... " (٤) .


(١) سورة الأنعام: الآية ٣٨
(٢) سورة لقمان: الآية ١٦
(٣) سورة يس: الآية ٤٠
(٤) الظاهرة القرآنية باختصار: ص ٢٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>