للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأستاذ مالك بن نبي فيسوق أمثلة لهذه الوحدة الكمية منها الوحدة التشريعية في سورة النساء، والوحدة التاريخية في سورة المنفافقون.

(د) ومن الأدلة أن القرآن وحي إلهي لا صنع بشري ولا عمل محمدي أسلوب القرآن وصوره الأدبية العالية، ذلك الأسلوب القرآني الفريد المتميز الذي فاق جميع الأساليب العربية المعروفة وغير المعروفة إبان نزوله مما جعل أصحاب البلاغة وأساطين الفصاحة يتحيرون معه فلا هو شعر مثل أشعارهم ولا رجز ولا سجع ولا نثر، إنه ذلك كله وأعظم من كل ذلك، ذلك الأسلوب الذي استحوذ على إعجاب الماضين والحاضرين، وكل من يسمعه رغم التقدم العلمي الكبير الذي لم يعد يحفل بالصور والأساليب الأدبية والتعبير البياني، يقول الدكتور دراز: "أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعًا لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعًا يطمع أن يحوم حول حماه، بل يدع الأعناق تشرئب إليه ثم يردها ناكسة الأذقان على الصدور، كل من يرى بعينين أو يسمع بأذنين إذا وضع القرآن بإزاء غير القرآن في كفتي ميزان ثم نظر بإحدى عينيه، أو سمعه بإحدى أذنيه إلى أسلوب القرآن، وبالأخرى إلى أسلوب الحديث النبوي (١) وأساليب سائر الناس، وكان قد رزق حظًّا ما من الحاسة البيانية والذوق اللغوي فإنه لا محالة سيؤمن معنا بهذه الحقيقة الجلية وهي أن أسلوب القرآن لا يدانيه شيء من هذه الأساليب كلها، ونحسب أنه بعد الإيمان بهذه الحقيقة لن يسعه إلا الإيمان بتاليتها استدلالًا بصنعة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} على صانع {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (٢) .

وهكذا يؤكد أسلوب القرآن الفريد وتميزه العجيب وتفوقه على كل الأساليب أنه صنع الله ووحيه، وليس للصنعة البشرية أي موضع فيه، يقول الأستاذ مالك بن نبي: "إن القرآن يؤكد صراحة سمو بيانه الذي أعجز به العبقرية الأدبية في عصره حين قذف في وجوه معاصريه بهذا التحدي المذهل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٣) ولم يذكر التاريخ أن أحدًا قد أجاب على هذا التحدي، وبهذا يمكن أن نستخلص أنه قد ظل دون تعقيب، وأن إعجازه الأدبي قد أفحم عبقرية ذلك العصر" (٤) .

ليس ذلك العصر فحسب بل جميع العصور وكل العبقريات والإنس والجن إلى يوم القيامة.


(١) رغم أن صاحبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أوتي جوامع الكلم
(٢) سورة الشورى: الآية ١١؛ والنبأ العظيم: ص ١٠٠
(٣) سورة البقرة: الآية ٢٣
(٤) الظاهرة القرآنية: ص ٢٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>