للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكد الدكتور دراز هذا المعنى بالنظر في أي آية من آيات القرآن أو سورة من سوره فيقول: "اعمد إلى سورة من تلك السورة التي تتناول أكثر من معنى واحد، وما أكثرها في القرآن فهي جمهرته، وتنقل بفكرتك معها مرحلة مرحلة، ثم ارجع البصر كرتين: كيف بدئت وكيف ختمت؟ وكيف تقابلت أوضاعها وتعادلت؟ وكيف تلاقت أركانها، وتعانقت؟ وكيف ازدوجت مقدماتها بنتائجها ووطأت أولاها لآخرها؟ وأنا لك زعيم بأنك لن تجد البتة في نظام معانيها أو مبانيها ما تعرف به سواء أكانت هذه السورة قد نزلت في نجم واحد أم في نجوم شتى ... " (١) .

ثم يتعجب ويستنكر كيف يوجد بعد هذا النظام البديع والترتيب المعجز من يقول إنه بشري؟ وكيف يكون عاقلًا أو فاهمًا بعد اطلاعه على هذا النسيج العجيب من يقول إنه إنساني؟ ومتى وأين وجدنا إنسانًا لديه مثل هذه القدرة على هذا العمل العظيم؟ حاشا لله أن يكون من عند غير الله. يقول: "أي تدبير محكم، وأي تقدير مبرم، وأي علم محيط لا يضل ولا ينسى ولا يتردد ولا يتمكث كان قد أعد لهذه المواد المبعثرة نظامها وهداها في إبان تشتيتها إلى ما قدره لها حتى صيغ منها ذلك العقد النظيم، وسرى بينها هذا المزاج العجيب؟ سبحان الله! هل يمتري عاقل في أن هذا العلم البشري، وأن هذا الرأي الأنف (٢) البدائي الذي يقول في الشيء: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لقلت أو فعلت أو قدمت أو أخرت، لم يك أهلًا لأن يتقدم الزمان ويسبق الحوادث بعجيب هذا التدبير، أليس ذلك وحده آية بينة على أن هذا النظم القرآن ليس من وضع بشر، وإنما هو صنع العليم الخبير؟ بلى" (٣) .

{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (٤) .


(١) النبأ العظيم: ص ١٥٤
(٢) أنف كل شيء أوله أي أن هذا الرأي مغرق في البدائية والجهل
(٣) النبأ العظيم: ص ١٥٧
(٤) سورة النساء: الآية ٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>