للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقرآن هو آية الله تعالى في الأرض، آيته المعجزة من الوجه الذي كان به معجزًا للعرب ولكل البشر وللثقلين جميعًا. ومن هنا كان حقًّا على كل عاقل، وعلى كل بليغ، وعلى كل متذوق، وعلى كل فاهم أن يقر وأن يعترف حيث لا مناص له عن ذلك بأن القرآن وحي الله، وآيته لخلقه ولا دخل لأي بشرية فيه لا من محمد ولا من غيره، يقول الشيخ شاكر: "لقد فات بيان القرآن طاقة بلغاء الجاهلية وكانت له خصائص ظاهرة تجعل كل مقتدر بليغ مبين، وكل متذوق للبلاغة والبيان لا يملك إلا الإقرار له بأنه من غير جنس ما يعهده سمعه وذوقه، وأن مبلغه إلى الناس نبي مرسل، وأنه لا يطيق أن يختلقه أو يفتريه؛ لأنه بشر لا يدخل في طوقه إلا ما يدخل مثله في طوق البشر، وأنه إن تقول غير ما أمر بتبليغه وتلاوته بان للبشر كذبه، وحق عليه قول منزله من السماء سبحانه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (١) .

(ب) أو نزوله منجمًا في ثلاثة وعشرين عامًا على حسب الغايات الربانية، والأهداف التربوية على الرغم من حاجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنزوله قبل ذلك أو في وقت أسرع دليل على أنه وحي يوحى، يمضي حسب المشيئة الإلهية وليس الأهداف والرغبات الشخصية، وكم من مرة كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حاجة ماسة لنزول الوحي فيتأخر عنه، وكم من مرة نزل على غير ما يحب ويتوقع، يقول الكتور دراز: " بل كان يأتي أحيلنًا على خلاف ما يحبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويريده فيخطئه في الرأي، ويأذن له في الشيء لا يميل إليه، فإذا تلبث فيه يسيرًا تلقاه القرآن بالتعنيف الشديد، والعقاب القاسي، والنقد المر، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (٢) .


(١) سورة الحاقة: الآيات ٤٤ ـ ٤٧
(٢) سورة التحريم: الآيتان: ١، ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>