للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث

تفنيد المطاعن السابقة والرد عليها

في هذا الفصل نذكر المطاعن السابقة حسب ورودها في الفصل السابق لنناقش كلًّا منها ونقيم الأدلة على زيفها وبطلانها في الفقرات التالية:

أولًا ـ قولهم إن القرآن بشري من عمل محمد وليس وحيًا.

والرد على ذلك من عدة جوانب:

(أ) أن القرآن الكريم كان الدليل الذي قدمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمشركين لإثبات نبوته وصدق دعوته، فدل ذلك على أنه كلام غير عادي، وليس من عند محمد، إذ لو كان عاديًّا أو من عند محمد لما صح أن يكون دليلا لأنه لا يخرج عن كلامهم، ولا بد أن يكون الدليل شيئًا آخر، وقد أحس المشركون بذلك لولا عنادهم واستكبارهم، وفي ذلك يقول الشيخ محمودشاكر: "ولم يكن من برهانه ولا مما أمر به أن يلزمهم الحجة بالجدال حتى يؤمنوا إنما هو إله واحد، وأنه هو لله نبي، بل طالبهم بأن يؤمنوا بما دعاهم إليه، ويقروا له بصدق نبوته، بدليل واحد هو هذا الذي يتلوه عليهم من قرآن يقرؤه ولا معنى لمثل هذه المطالبة بالإقرار لمجرد التلاوة إلا أن هذا المقروء عليهم كان هو نفسه آية فيها أوضح الدليل على أنه ليس من كلامه هو , ولامن كلام بشر مثله، ثم أيضًا لا معنى لها البتة إلا أن يكون في طاقة هؤلاء السامعين أن يميزوا واضحًا بين الكلام الذي هو من نحو كلام البشر والكلام الذي ليس من نحو كلامهم".

ثم انتقل إلى قضية التنجيم (١) في نزول القرآن الكريم وابتدائه قليلًا مبتاعدًا ثم تكاثره وتتابعه ليبين أن قليله ككثيره في الدلالة على أنه موحى به، ودليل على نبوة حامله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "وكان هذا القرآن ينزل عليه منجمًا، وكان الذي نزل عليه يومئذ قليلًا كما نعلم، فكان هذا القليل من التنزيل هو برهانه الفرد على نبوته، وإذن فقليل ما أوحي إليه من الآيات يومئذ، وهو على قلته وقلة ما فيه من المعاني التي تنامت وتجمعت في القرآن جملة كما نقرؤه اليوم مُنْطَوٍ على دليل مستبين قاهر يحكم له بأنه ليس من كلام البشر، وبذلك يكون دليلًا على أن تاليه عليهم ـ وهو بشر مثلهم ـ نبي من عند الله مرسل" (٢) .

وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحي إلي، فأن أرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)) (٣) .


(١) التنجيم أي نزول القرآن منجّمًا أي مفرقًا على دفعات على مدى ثلاثة وعشرين عامًا ما بين آيات إلى سور حتى اكتمل نزوله قبل وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقليل
(٢) مقدمة الظاهرة القرآنية: ص ٢١
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي: ٢/ ١٨٦، والسراج الوهاج: ١/ ١٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>