للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول البحاثة الأمريكي "هوكنج" أستاذ الفلسفة بجامعة هارفرد في كتابه روح السياسة العالمية وذلك معرض حديثه عن مصير الثقافة الإسلامية: "إن سبيل تقدم الممالك الإسلامية ليس في اتخاذ الأساليب الغربية التي تدعي أن الدين ليس فقط ما يملى من حياة الفرد اليومية ومن القانون والنظم السماوية (١) .

وإنما يجب أن يجد المرء في الدين مصدرًا للنمو والتقدم، وأحيانًا يتساءل البعض عما إذا كان نظام الإسلام يستطيع توليد أفكار جديدة وإصدار أحكام مستقلة تتفق وما تتطلبه الحياة العصرية، فالجواب على هذه المسألة هو أن في نظام الإسلام كل استعداد داخلي للنمو , لا بل إنه من حيث قابليته للتطور يفضل كثيرًا النظم الأخرى، والصعوبة لم تكن في انعدام وسائل النمو والنهضة في الشرع الإسلامي وإنما في انعدام الميل إلى استخدامها، وإني أشعر بكوني على حق حين أقدر أن الشريعة الإسلامية تحتوي بوفرة على جميع المبادئ اللازمة للنهوض". (٢) ويقول الدكتور "انريكو انسابا توحيد": "إن الإسلام يتمشى مع مقتضيات الحاجات الظاهرة فهو يستطيع أن يتطور دون أن يتضاءل في خلال القرون ويبقى محتفظًا بكامل ما له من قوة الحياة والمرونة فهو الذي أعطى للعالم أرسخ الشرائع ثباتًا. وشريعته تفوق في كثير من تفاصيلها الشرائع الأوروبية". (٣)

هذه بعض شهادات علماء القانون في الغرب المسيحي الذي لم يعم التعصب بصيرتهم فأنصفوا الشريعة الإسلامية.

ولا يفوتنا كذلك أن نذكر القرار الذي اتخذه المؤتمر الدولي المنعقد في لاهاي سنة ١٩٣٢م للقانون المقارن باعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من مصادر القانون المقارن. فهؤلاء المؤتمرون الذين لهم مكانتهم العلمية وخبرتهم القانونية لم يتخذوا هذا القرار إلا لإيمانهم المطلق وقناعتهم التامة بأن الشريعة الإسلامية غنية بالمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الفرد والجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد.

ومن الشبه التي يثيرونها ادعاؤهم بأن بعض أحكام الشريعة مؤقت:

يرى بعض الأوروبيين أو بعض أذنابهم ممن تتلمذ عليهم أو تثقف بثقافتهم يرون أن الشريعة تصلح للعصر الحاضر إلا أن بعض أحكامها جاءت مؤقتة، ويقصدون بذلك بعض الأحكام الجنائية التي لا مثيل لها في القوانين الوضعية كالرجم والقطع فيحاولون التلخص منها بادعاء أنها أحكام مؤقتة، وهذا أكبر دليل على جهلهم بالإسلام؛ لأن أحكام الإسلام دائمة لا مؤقتة ولأن ما لم ينسخ منها قبل موت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يجوز نسخه بأي حال إلى يوم القيامة، وقد صرح القرآن بأن الإسلام قد اكتمل عقيدة وشريعة فلا زيادة فيه ولا نقص , وذلك في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٤) .


(١) هكذا في الأصل ولعل صوابه: "النظم السياسية
(٢) روح الدين الإسلامي: ص ٣١٢
(٣) روح الدين الإسلامي: ص ٣١٢ نقلا عن كتاب: "الإسلام وسياسة الحلفاء
(٤) سورة المائدة: الآية ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>