للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه الأدلة يتبين أن المسلم ملزم باتباع الشريعة من غير خيار , قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (١) .

ولا يكفي ذلك بل لا بد بعد العمل بالشريعة من الرضا التام والتسليم المطلق , وفي ذلك يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (٢) .

هذا من حيث الشرع، وأما عقلًا فلأننا باستقراء أحكام الشريعة الإسلامية يتبين أنه روعي فيها مصالح العباد، ففيها العدالة وفيها المساواة وفيها اليسر وفيها المرونة وفيها الكمال والسمو والدوام؛ لأن نصوصها لا تقبل التعديل والتبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، وهي مع ذلك تظل محتفظة بصلاحيتها في كل زمان ومكان، ومن تتبع التاريخ وجد أنها ما من مجتمع حكم فيه شرع الله إلا سعد هذا المجتمع، ولاشك أن قانونًا يتمتع بكل هذه الميزات ويجري على تحقيق العدالة الاجتماعية وإسعاد المجتمع البشري باختلاف أجناسهم وطبقاتهم وأوطانهم، لجدير بأن يتشبث به العقلاء ويذودوا عنه وهذا ما فعله المؤمنون الصادقون كما أسلفت.

الفريق الثاني: وهم المعادون للإسلام , إما جهلًا بتعاليمه السامية، وإما حسدًا من عند أنفسهم كما هو شأن اليهود والنصارى، فهؤلاء لا يستغرب أن يقفوا موقف العداء من الشريعة الإسلامية ويتهموها بأبشع التهم، لينفروا الناس منها، وذلك كوسيلة من وسائل الغزو الفكري للصد عن الإسلام والقضاء على نفوذه.

وأهم شبهة يثيرها أعداء الإسلام حول الشريعة الإسلامية ويروجونها في جميع المحافل ادعاؤهم بأن الشريعة الإسلامية لا تصلح للعصر الحاضر، وبعد التحقيق يتبين أن ادعاءهم هذا لا يقوم إلا على الجهل والافتراء، إذ أنهم لم يقدموا أي دليل ملموس ولا حجة بينة على دعواهم، وهذا لا يكون مقبولًا لدى ذوي العقول المفكرة، ولو أنهم قالوا أن مبدأ معينا أو مبادئ بذاتها لا تصلح للعصر الحاضر وبينوا السبب في عدم صلاحيتها لكان لادعائهم قيمة علمية، ولوجب مناقشتهم لتزييف أقوالهم, أما أن يدعوا أن الشريعة كلها لا تصلح للعصر ولا يقدموا على قولهم حجة واحدة؛ فذلك دليل على أنهم مدفعون بدافع الحقد على هذا القول وهذا الزعم الباطل، ولكن نظرًا إلى أن بعض السذج تأثر بمثل هذه الترهات فجعل يعادي الشريعة الإسلامية وينتقص من مكانتها، نجد لزامًا علينا أن ندافع عن هذه الشريعة الغراء، ونرد على ما يثيره هؤلاء المغرضون المفترون من شبهات حول الشريعة، ويكفينا للرد عليهم ما يقوله بنو جلدتهم، وأبناء عقيدتهم من النصارى المنصفينن يقول العلامة سانتيلانا: "إن في الفقه الإسلامي ما يكفي المسلمين في تشريعهم المدني إن لم نقل إن فيه ما يكفي للإنسانية كلها" (٣) .


(١) سورة الأحزاب: الآية ٣٦
(٢) سورة النساء: الآية ٦٥
(٣) انظر كتاب روح الدين الإسلامي لعفيف طبارة: ص ٣١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>