للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أباح بعض الفقهاء أن يعطي إمام المسلمين مالًا كالجزية لمن غلبه إذا كان لا مناص من ذلك، بيد أن عليه أن يستعد ويعمل إلى أن يتحرر من هذه الرقة وأن يصبح نِدًّا ثم أن يعمل بسلم أو بحرب على هيمنة الإسلام. فنحن اليوم في مثل هذه الحالة، لا نعطي الدنية من أنفسنا ولا نرضى الدنية في ديننا، لكن ألم يوقع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتفاقية الحديبية وفيها الكثير مما جعل مثل عمر ـ رضي الله عنه ـ يوشك أن يرتاب لولا أن رده أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى صوابه؟ إن اتفاقية الحديبية باءت بالنصر على الإسلام والمسلمين، فلنا فيها العبرة لنواجه اليوم ما نواجه ونحن في مثل الوضع الذي كان عليه المسلمون محاصرين في الحديبية أو في الخندق حين أراد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعطي نصف تمر المدينة لبعض القبائل، لنواجه اليوم مثل ذلك الموقف، فعلينا أيضًا أن نقتدي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما فعل بعد ذلك الموقف والاقتداء به عملًا وليس قولًا.

رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينشئ الصحابة ويقويهم ولم يكن يبث الدعايات وحدها هنا وهناك عند خصومه من المشركين، بل كان العمل الأول هو صناعة المسلم القوي الذي يستطيع أن يواجه به، أما الدعوة إلى الإسلام فكانت منطلقة من صناعة المسلم القوي الذي إذا بعثه سفيرًا له كان بسلوكه داعية أكثر منه بلسانه.

إن الذي يجب أن نعمله اليوم هو أن نصنع أنفسنا، قلوبًا وأرواحًا وتقنية، يجب أن نتعلم كل ما نستطيع وأن نستعين بكل إخواننا المسلمين في كل مكان أيًّا كانت علاقتنا سابقًا بهم وأيًّا كان رأينا سابقا بهم، ما كانت لديهم معارف نحن بحاجة إليها، وأن نعمل بقدر ما يمكننا أن نعمل وأن ننتهز الفرص ونتحين المناسبات، لكن دون أن نعطي الدنية. إن نصالح اليهود اضطرارًا فهم ليسوا بإخوة لنا ولابني عمومة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .

وإن نصانع غيرهم محالفة أو معاهدة أو تعاونًا فاضطرارًا إن كانوا ممن أخرجونا من ديارنا أو ظاهروا على إخراجنا اضطرارًا إلى أن نستطيع، أما أن نبرهم ونقسط إليهم بقلوبنا، وأن نركن إليهم ونسكن إليهم فذلك ما يجعلنا منهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} .

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>