للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: طبيعة الحضارة الغربية هي طبيعة صراعية تنابذية تقوم على ثنائيات متقابلة لا تفهم إلا الطرد والنبذ للآخر، وإن هي احتوته فإنما تحتويه فردًا، هي على أتم استعداد لأن تتقبل دعاتنا يذرعون أمريكا طولًا وعرضًا بل تدعوهم في بعض الأحيان لإلقاء محارات عن الإسلام في السجون الأمريكية وفي غيرها وتوعية هؤلاء الذين أدمنوا المخدرات وسواهم على القيم الإسلامية , ولا مانع لديها أيضًا بأن يسلموا أو يدخلوا الإسلام، ولكن في هذا الإطار، الإطار الذي يغير من أخلاقهم ومن طبيعتهم بحيث يوظف الإسلام توظيفًا في إطار حضاري شامل يشمل كل وسائل التربية بما فيها الإسلام , فإذا اغتررنا بهذا وشعرنا بأن هذا يعني أننا سوف نحول أمريكا بعد سنوات أو عقود إلى دولة إسلامية كما يحلم البعض فإن ذلك تجاهل لأبسط خصائص الحضارات ولأبسط خصائص الأمم.

إن عالمية الغرب المعاصرة لها جذور تاريخية لا يمكن أن تتخلص منها، أهمها: أنها بنيت على الحضارتين الهيلينية والرومانية، الهيلينية قد استوعبت كافة حضارات الشرق التقليدية الإقليمية وشمال المتوسط منذ غزوات الإسكندر المقدوني عام ٣٥٦ إلى ٣٢٢ قبل الميلاد، ثم ورثتها العالمية الرومانية إن صح التعبير والتي بلغ توسعها حوض البحر الأبيض المتوسط وسيطرت على الشرق كله. الحضارتان الهيلينية والرومانية تراثهما الديني تراث وثني غير سماوي , وما دخل إليهم من تراث سماوي حرفوه وطوعوه وحولوه إلى جزء من الوثنية، وهذا النظام العالمي الجديد بحضارته الفكرية وتراثه هو عبارة عن وريث لتلك الحضارات ومشتمل عليها ويقوم على أساس منها، هم قد بدأوا بناء عالميتهم المعاصرة منذ سقوط عالميتنا الإسلامية سواء في بغداد إثر الاجتياح المغولي عام ٦٥٦م، أو في الأندلس إثر الاجتياح الأوروبي لها أو ما تلا ذلك من حروب ونزاعات بيننا وبينهم حتى فرضوا هيمنتهم الجديدة على أرض الإسلام كلها ما بين المحيطين ـ الأطلسي غربًا والهادي شرقًا ـ وانتشروا إلى ما وراء ذلك وسادوا العالم بأكمله فأصبحت الحضارة الغربية المعاصرة ذات الجذور الوثينة الرومانية من بعد الهيلينية هي عالمية العالم الجديد، تكاد تستوعبه في تفاصيله الحياتية والعقائدية، إنها تريده عالمًا على صورتها ـ صورتها الفكرية وصورتها العقائدية وصورتها النظمية ـ وهي تعرف الإسلام وما فيه وتحاول أن تطوعه عقيدة وفكرًا وثقافة وحضارة وشريعة ونظامًا لكي يصبح المسلمون بعد كل ذلك التحول أو لنسميها الردة ليمكن أن يصبحوا جزءًا مما يسمى بهذا النظام العالمي الجديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>