للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) كيفية الاستئسار:

تشير الآية الكريمة إلى شد الوثاق، وليس المراد إلا التأكد منه، لئلا يفر، وقد كانت هناك أساليب أخرى تستخدم لضمان عدم فرار الأسير؛ كأن يقسموا بين المسلمين، أو يوثقوا إلى أسطوانات المسجد، وما إلى ذلك.

ومع ذلك نجد الرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحيانًا ـ يتألم، لأن أحد أسراه ـ وهو عمه العباس ـ موثق يئن (١) .

(ج) إطلاق سراح الأسرى:

وتتفق كتب الأحاديث، والتاريخ، والمغازي، على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يمن على الأسرى، فيطلقهم دونما فدية، أو مع فدية، ويبادلهم بأسرى المسلمين:

ـ فمن المشهورات قولته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) (٢) .

ـ وهبط ثمانون من أهل مكة، من جبال التنعيم ـ صباحًا ـ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليقتلوه، ولكنه أسرهم دون حرب، ثم أطلق سراحهم (٣) .

وروي أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يطلق كل الأسرى عند حلول شهر رمضان (٤) .

ـ وقد أرسل رجالًا إلى نجد، وعادوا إليه بأسير من بني حذيفة، يدعى ثمامة بن أثال، وأوثقوه إلى المسجد فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم (٥) .

ـ وقد أطلق سراح مجموعة من أسرى بدر، شريطة أن يعلم كل منهم مسلمًا القراءة والكتابة (٦) .

ـ ومنّ على أسرى هوازن في حنين ـ بعد القسمة ـ وطلب من المسلمين أن يطلقوا سراح أسراهم (٧) .

والنصوص في هذا الباب كثيرة جدًّا.

هذا بالنسبة لأسرى الكفار. أما بالنسبة لأسرى البغاة فالأمر فيهم أكثر حنانا، ولطفًا.

وقد قال أصحاب علي (ع) له بعد معركة الجمل: اقسم بيننا أهل البصرة فنجعلهم رقيقًا، فقال: لا، فقالوا: كيف تحل لنا دماؤهم وتحرم علينا سبيهم؟ فقال (ع) : " كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة وإسلام، أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم، وأما ما وارت الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو لأهله، ولا نصيب لكم في شيء منه ". (٨) .

وهذا من أروع النصوص الدالة على رحمة الإسلام.

(د) حقوق الأسرى (٩) :

يمكننا أن نلخص أهم هذه الحقوق بالنقاط التالية:

أولًا ـ العطف والرحمة بالأسير:

ـ ذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين أقبل بالأسارى من بدر فرقهم بين أصحابه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بهم خيرًا)) .

ـ وكان أبو عزيز بن عمير، أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه، في الأسارى، قال أبو عزيز: "مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديك. قال أبو عزيز: فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحيي فأردها فيردها عَلَيَّ ما يمسها". (١٠) .

وقال أبو العاص بن الربيع: كنت مستأسرًا مع رهط من الأنصار ـ جزاهم الله خيرًا ـ كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثرونا بالخبز وأكلوا التمر، والخبز عندهم قليل، والتمر زادهم حتى أن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد، قال: وكانوا يحملوننا ويمشون (١١) .

ـ وقد روي ((أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يبعث الأسارى من المشركين ليحفظوا، وليقام بحقهم)) (١٢) .

وقد عاتب رسول الله بلالًا؛ لأنه مر بأسيرات يهوديات على أجساد أعزائهن، قائلًا له: ((أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهن)) (١٣) .

ثانيًا ـ إطعام الأسير وسقيه:

ـ فعن أبي بصير قال: سألت الصادق (ع) عن قول الله ـ عز وجل ـ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} فقال (ع) : هو الأسير. وقال: الأسير يطعم، وإن كان يقدم للقتل. وقال: إن عليًّا كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين (١٤) .


(١) البداية والنهاية: ٣/ ٢٩٨
(٢) الطبري: ٣/ ٦١
(٣) نيل الأوطار: ٨/ ١٤٠، ١٤١؛ ومشكاة المصابيح: ص ٢٤٥ فما بعدها؛ ومناقب ابن شهر أشوب: ١/ ٧٣؛ وحياة الصحابة: ٢/ ٣٧
(٤) وسائل الشيعة: ٧/ ٢٢٩
(٥) السنن الكبرى: ٩/ ٨٨؛ وصحيح البخاري: ١/ ١٢٥؛ ومشكاة المصابيح: ص ٣٤٢؛ ومسند أبي عوانة: ٤/ ١٥٧
(٦) المستدرك، للحاكم: ٣/ ٢٣؛ ونيل الأوطار: ٨/ ١٤٤؛ ومصنف عبد الرزاق: ٥/ ٣٥٢
(٧) نصب الراية: ٣/ ٤٠٦؛ ومشكاة المصابيح: ص ٣٤٥؛ والطبري: ٣/ ٨٧ ـ ٨٩؛ وصحيح البخاري: ٣/ ١٩٣، و٩/ ٨٩ منه
(٨) شرح ابن أبي الحديد: ١/ ٢٥٠
(٩) حقوق الأسرى مفصلة، ونحن هنا نعتمد ـ إجمالًا ـ على تحقيق مخطوط لسماحة العلامة الشيخ الأحمد الميانجي ـ حفظه الله ـ.
(١٠) البداية والنهاية: ٣/ ٣٠٦؛ والطبري: ٤/ ٤٦٠؛ وآثار الحرب: ص ٤٠٥
(١١) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ١٣/ ١٨٩
(١٢) الإمام الرازي في تفسيره: ٣٠/ ٢٤٥
(١٣) بحار الأنوار: ١/ ٥؛ والكامل: ٢/ ٢٢١: والطبري: ٣/ ١٤؛ وسيرة ابن هشام: ٣/ ٣٥١؛ والبداية والنهاية: ٤/ ١٩٧
(١٤) وسائل الشيعة: ١١/ ٦٩

<<  <  ج: ص:  >  >>