للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أي حال، فإن البغاة إن رجعوا إلى طاعة الإمام، ووضعوا أسلحتهم، أو هزموا، ولم ينحازوا إلى فئة مناوئة أخرى، لم يجز قتالهم، ولم يتعقب الفار منهم، ولا يقتل أسيرهم، ويداوى الجرحى منهم، والعلماء يجمعون على ذلك. وبدون ذلك، فالأمر يعود للإمام ليقوم فيهم بما يراه مصلحة للمسلمين.

وهنا ننبه إلى أن أحكام البغاة مأخوذة من سيرة علِيّ في الباغين، وها نحن نذكر طرفًا من ذلك:

ـ يقول عبد الرحمن بن الحجاج سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:

"كان في قتال علي (ع) أهل قبلة بركة، ولو لم يقاتلهم علي (ع) لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم". (١)

ـ روى أبو أمامة أنه شهد صفين، فلم ير جريحًا يقتل، ولا مولى يقتل، ولا قتيلًا يسلب (٢) .

ـ سأل أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) الإمام عما هو فاعل بأهل الجمل , فقال (ع) : بالمن كما سار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أهل مكة (٣) .

ـ وأتي علي بأسير يوم صفين، فبايعه، فقال علي: "لا أقتلك إني أخاف الله رب العالمين". فخلى سبيله، وأعطاه سلبه الذي جاء به (٤) .

ـ وعن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين (ع) : إن عليًّا (ع) سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أهل الشرك، قال: فغضب، ثم جلس، ثم قال: "سار والله فيهم بسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الفتح؛ إن عليًّا (ع) كتب إلى مالك ـ وهو على مقدمته في يوم البصرة ـ بأن لا يطعن في غير مقبل، ولا يقتل مدبرًا، ولا يجيز (يجهز) على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن" (٥) .

والروايات هنا مفصلة.

والواقع أن سيرة علي ـ (ع) ـ رسمت أروع صورة للحاكم المسلم الذي يقيم ذلك التوازن المشار إليه في بحثنا بين الرحمة والمصلحة العليا.

وربما أمكنا ـ بالاستناد إلى الرواية التي ذكرناها للتو ـ القول إن الإمام يتعامل في حربه مع الكفار والبغاة على ضوء هذا التوازن، إلا أن الحرب مع الكفار فيها الخطر الكامن لإفناء الوجود الإسلامي كله، فتعصب الإجراءات، ولكن حينما ينتفي الخطر ـ كما في فتح مكة ـ يأتي المن العظيم. ولكن إذا كان البغاة يفرون إلى تجمع آخر لهم فخطرهم كبير، لذلك فهم يتابَعون بكل شدة.


(١) وسائل الشيعة: ١١/ ٦٠
(٢) السنن الكبرى: ٨/ ١٨٢؛ ومسند ابن أبي شيبة: ١٢/ ٤٢٤، والطبقات الكبرى: ٧/ ٤١١
(٣) وسائل الشيعة: ١١ /٥٨
(٤) ن. م: ١١/٥٤، نقلا عن التهذيب؛ والجامع: ١٣/ ١٧٦
(٥) وسائل الشيعة: ١١/ ٥٥، نقلا عن الكافي والتهذيب؛ وبحار الأنوار: ٣٢/ ٢١٠، نقلًا عن الكافي

<<  <  ج: ص:  >  >>