للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البُغاة:

والملاحظ هنا أن الأحكام تختلف ـ تمامًا ـ مع البغاة، باعتبارهم مسلمين خارجين على الإمام، فرغم أنهم يهددون كيان الدولة الإسلامية كله، إلا أن قبولهم (ولو لفظًا) للإسلام بغير الحكم عليهم، وخصوصًا في مجال الأسر. فهؤلاء البغاة لا يمكن قتالهم إلا بشروط:

منها: أن يعتصموا بقلعة وأمثالها، مما لا يتيسر معه تفريقهم، إلا بإرسال قطعات حربية إليهم.

وقد أشار صاحب الجواهر إلى هذا الشرط ـ بعد ذكر بعض النصوص ـ قائلًا: "ولعله لهذه النصوص ونحوها قال الشيخ وابنا إدريس وحمزة ـ فيما حكي عنهم ـ: أنه يعتبر في جريان الحكم كونهم في منعة، وكثرة، لا يمكن كفهم، وتفريق جمعهم، إلا بالاتفاق، وتجهيز الجيوش والقتال. فأما إن كانوا نفرًا يسيرًا ـ كالواحد والاثنين والعشرة ـ وكيدهم ضعيف، لم يجر عليهم حكم أهل البغي، وهو المحكي عن الشافعي، مستدلين بأن ابن ملجم لما جرح عليًّا ـ (ع) ـ وقبض عليه، أوصى أمير المؤمنين ـ (ع) ـ بالإحسان إليه، وقال: "إن برئت فأنا أولى بأمري، وإن مت فلا تمثلوا به". ولكن عن بعض الجمهور جريان حكم البغاة حتى على الواحد، إذا خرج بالسيف، بل في المنتهى والتذكرة أنه قوي، بل قيل إنه مقتضى إطلاق المتن (شرائع الإسلام والقواعد والإرشاد) وغيرها. وإن كان قد يناقش بانسياق غير ذلك من الإطلاق المذكور، خصوصًا بعد ذكرهم الفئة ونحوها، مما يظهر منه الاجتماع المعتد به، ولا أقل من الشك، فيبقى الأصل ـ حينئذ ـ بحاله. نعم يجري عليه حكم المحارب لو فرض إشهاره للسلاح أو غيره مما يندرج فيه". (١)

ومن هذا النص يظهر أنه يرى فعلية هذا الشرط، رغم ما نسب إلى الآخرين من الخلاف فيه.

ومنها: أن لا يكونوا تحت سيطرة الإمام، وإلا لم يعودوا من البغاة، واستند في ذلك إلى رواية جاء فيها:

"إن عليًّا (ع) كان يخطب، فقال رجل بباب المسجد: لا حكم إلا لله، ـ تعريضًا بعلي (ع) أنه حكم في دين الله الرجال ـ فقال علي (ع) : كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث:

ـ لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا اسم الله فيها،

ـ ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا،

ـ ولا نبدأكم بقتال". (٢)

ورغم تشكيك صاحب جواهر الكلام في حجية هذه الرواية، إلا أنه يقول: "قد يقال: إن حكم البغاة لم يعلم إلا من فعله (ع) كما اعترف به الشافعي وغيره، ولم يثبت لنا شيء من فعله، فيما عدا الفرق الثلاث وقد كانوا كذلك" (٣) .

ومنها: أن يكونوا ينطلقون ـ في انفصالهم عن السلطة الإسلامية ـ من معتقد يعتقدونه:

وربما استند في هذا إلى نصوص منها قول علي ـ (ع) ـ في نهج البلاغة:

"لا تقتلوا الخوارج بعدي؛ فليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه". (٤) .


(١) جواهر الكلام: ٢١/ ٣٣١، ٣٣٢
(٢) ، أحكام القرآن للجصاص: ٥/ ٢٨٢، وجامع أحاديث الشيعة: ١٣/ ٨٧، والسنن الكبرى: ٨/ ١٤٨؛ والمبسوط، للسرخسي: ١٠/ ١٢٥؛ وابن أبي شيبة في المسند: ١٥/ ٣٢٧؛ ومجمع الزوائد: ٦/ ٢٤٢، وأنساب الأشراف: ٢/ ٣٥٢؛ والمبسوط، للشيخ الطوسي: ٧/ ٢٦٥؛ وتاريخ بغداد: ١٤/ ٣٦٥
(٣) جواهر الكلام: ٢١/ ٣٣٣
(٤) نهج البلاغة، د. صبحي الصالح: ٦١/ ٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>